أخذت أسماء النساء عند العرب مدلولاً ثقافياً واجتماعياً منذ زمن بعيد، لجهة إنتقائها من البيئة أو لتعبيرها عن الافكار السائدة آنذاك. وإذا كان القرآن الكريم صور جزءا من نظرة الجاهليين الى المرأة عبر مسألة "الوأد"، فإن جانباً معاكساً لهذا التصور كان يظهر في وجود اسماء تحمل معنى التمني لهذه الأنثى أو تلك بالبقاء والعيش وديمومة الحياة. من ذلك ما يبدو واضحاً - حسب كتب التراث - في اسم فاطمة أولى بنات الرسول صلى الله عليه وسلم - وأقصد "فاطمة" حيث يذهب شراح اللغة إلى أن هذا الاسم معناه: التمني لها أن تكبر وتفطم على لبن امها، وربما يعود ذلك الى الفترة الحرجة التي يعيشها الطفل بعد ولادته، حيث يكون في سنه المبكرة عرضة للموت، ويجدر بنا هنا أن نشير الى أن اسم فاطمة لم يستحدثه رسول الله لتغيير نظرة العرب للمرأة في تلك البيئة وذلك العصر، وإنما لسبب آخر أهم هو: أن الاسم كان معروفاً متداولاً بين الناس له دلالته لكونه مشتقاً من "الفطام". وإذا توغلنا في حياة الإنسان العربي قديماً، ولاحظنا ظروف حياته ووجوده في بيئة صحراوية، فإن صور هذه البيئة كما ظهرت في الشعر والنثر، بدت أيضاً وعلى نطاق أوسع في حياته الاجتماعية. فاعتماد الرجل العربي مثلاً على الابل في الحل والترحال والطعام، جعله يبوؤها مكانة مهمة في ثقافته، وكذلك الحال بالنسبة الى المرأة، فوجودها الى جانب هذا الرجل لم يكن مسألة فطرية فحسب، وإنما هي أيضاً حال اجتماعية خاصة جداً. ولهذا أخذت المرأة العربية بعض الأوصاف التي اطلقها عليها ذلك الرجل من بيئته متأثراً بما فيها، وكانت الأقرب إليه هي الإبل. لذلك تم تبادل الاسماء والتشبيهات بين المرأة والناقة خصوصاً والإبل عموماً، ما يكشف عن مستوى من التداخل يؤكد تراكم اللغة وثراءها، واستعمال ما في المحيط وتوظيفه للتعبير والدلالة عن اسماء البشر وعن العلاقات ايضاً. وبعيداً عن التأثر بالبيئة وما فيها، فإن أسماء المرأة ظلت تدور في فلك الوصف الحسي، الجسدي - خصوصاً، أي طولها، بياضها، جمالها، وغير ذلك من الأوصاف، لكن تطور الحياة العربية بعد مجيء الاسلام وإحراز العرب جانباً مهماً من ثقافة الآخر واختلاطهم به، جعل اسماء جديدة تظهر الى الوجود. ثم تطورت تلك الحياة لتدخل في السياق العام للبيئة العربية وللغة العربية، وللعلاقات بين اللغة والبيئة من جهة وبين الانسان واللغة من جهة ثانية. وتبعاً لذلك أصبحت اسماء الميلاد، والتي ارتبطت بالأسر والجماعات المختلفة والطبقات، وأحياناً حتى المدن، تواجه زحف الاسماء الجديدة التي نقلت المرأة من ضيق الحالات السابقة الى رحابة الفعل النسوي. وغالباً ما كان هذا الفعل ضمن ما اتاحه الدين من حرية للمرأة، وما وفّر لها من أمان، ومكناها من إجبار الرجال وبالذات عليّة القوم والمتخصصين على تسميتها بأسماء تربتط بمدى فعلها المؤثر في محيطها. يلاحظ أنه على مستوى الاسماء المرتبطة بالأسر والطبقات، وبالاختيار الفردي أيضاً، تطورت بشكل يرتفع من الارض متصاعداً نحو السماء. فمثلاً اسم "شمس الضحى"، وهو وصف لا يكاد يتعدى الإقرار بحيازة صاحبته جانباً موفوراً من الجمال، تطور وبقوة دفع اجتماعية تميزاً واختلافا وتعميقاً لمفهوم الجمال الى "شمس الكواكب". وهو اسم يؤكد ان صاحبته هي الأجمل بين الأجمل من النساء. غير أنه لم يقف عند هذا الحد، فلا الزمن من خلال الضحى كافياً ولا التطلع الى الكواكب كافياً ايضاً، وإنما لا بد ان يقترن الاسم بعدها في مرحلة أخرى من التطور بالمنافسة على مستوى عالم الرجال. وهو ما يتجلى وضوحاً في تلك المنافسة لعالم الرجال في أعلى مراتبهم، وبالذات الملوك، فنجد إحداهن تأخذ اسم "شمس الملوك" بنت محمد الدمشقية. وإذا كانت الاسماء سارت على النحو السابق لحظة الميلاد، فإنها لم تستطع الصمود أمام أسماء الشهرة، فمثلاً لو أخذنا إسم "ست" لوجدنا هذا الاسم تطور بشكل ملحوظ، اختصر فيه إنجاب الذرية كما هو في اسم "ست البنين". وعبر عن قوم بدل قوم مثل: "ست العجم" و"ست العرب". كما كشف عن الانتماء الى جهة مثل "ست العراق" "ست الغرب" وهذه جميعها اسماء اطلقت على المرأة من خلال أعمال أو انتساب الى مكان والى قوم قد لا يكون لها دخل فيها، وإنما ساعدتها ظروف بعينها على أن تكون على النحو السابق. وفي المقابل فإن هناك أسماء شهرة مثل "ست الناس"، وهذا دليل على مكانتها الاجتماعية وبالطبع هذه لن تكون إلا من خلال الفعل، وكذلك بالنسبة الى "ست النعم" التي يثبت اسمها، كما يفهم منه، عملها الخيري، بالاضافة الى هذا كله فهناك اسماء ترقت من خلال اكتسابها للثقافة والعلوم وتمكنها من الدين خصوصاً، فجاءت لتعطي إجابة على الذين يتحدثون الآن في عصرنا عن مدى مشاركة المرأة في القضاء وتقلد مناصبه، أو أن تكون فقيهة داعية يعود إليها الناس كلما واجهتهم مشاكل عصرهم وبحثوا عن حلول فقهية عاجلة لها. في الحالة الأولى هناك اسم "ست القضاة" وفي الحالة الثانية نجد اسم "ست الفقهاء". بل أكثر من هذا أن المرأة نافست الرجل على مستوى السلطة، ونتيجة لذلك ظهر اسم "ست الوزراء" وإن كان البعض يرجع هذا الاسم الى وراثة الحكم عائلياً، وليس بذلاً لجهد أو فعلاً للمقاومة من أجل الوصول الى الحكم. يلاحظ أن دائرة تميز المرأة العربية قديماً ظلت تضيق في وسط الملوك، إلى أن أصبحت تحمل اسم "صفوة الملك" وهو ما سميت به تحديداً أم الملك دقاق بن تاج الدولة. ويذكر الأنسي في كتابه "ذيل تاريخ دمشق": "أنها كانت من ربات البر والإحسان والدين والصلاح، قوية النفس، شديدة الهيبة، حازمة عادلة، وهي التي دبرت على قتل ابنها "شمس الملوك" لما تمادى في ارتكاب المنكرات وغالي في اكتساب المحظورات، فاستدعته أولاً وأنكرت عليه إنكاراً شديداً، ثم ارتقبت الفرصة وأمرت غلمانها بقتله، فقتلوه، ثم أوعزت بإخراجه الى ساحة داره ليشاهده غلمانه، وسر أهل دمشق بمصرعه وأثنوا على أمه صفوة الملك ثناءً عظيماً. التنافس بين الاشتهار بأسماء تنسب الى الملك وأسماء أخرى تنسب الى الدين ظهر قديماً أيضاً، فقد سميت إحدى النساء باسم "صفوة الدين" وكانت بنت "قطب الدين" ملك كارمان، تمكنت من تولي الملك بعد وفاة السلطان "سيور غتمش بن قطب الدين"، لكنها لم تعمر في الملك طويلاً إذ لم تتجاوز فترة حكمها سنة واحدة، وهنا - كما أرى - تم الجمع بين العقيدة من ناحية الاسم وبين ممارسة السلطة. على العموم، فإن مختلف الأسماء التي أطلقت والتي ذكرناها آنفاً، تبقى ألفاظاً مقترنة - في اذهان من أطلقوها - بصفة مكتسبة تحصل عليها المرأة لما تميزت به عن غيرها كما هو بالنسبة الى "فاطمة بن فهد" التي لقبت ب"ست قريش"، وهي محدثة ذات صلاح ودين. وكذلك بالنسبة الى تسمية المرأة ب"ست القضاة" التي ذكرت كتب التراث أنها تطلق على المرأة عندما يكون لها باع في الفقه، من ذلك ما عرفت به المحدثة "نفيس بنت اسماعيل"، التي أصبحت لا تعرف إلا باسمها السابق وغاب اسم ميلادها من حياتها ومن التاريخ المروي عنها بعد ذلك. هكذا إذن تتجلى لنا قيمة أسماء المرأة العربية ودلالاتها من خلال فعلها وإثبات وجودها. فاختيار الاسماء، تميزاً أو تبركاً، لم يعد ذا قيمة بعد ان اتسعت الرقعة الجغرافية للعالم الاسلامي، وتداخلت ثقافة الأقوام والشعوب، وزاد تحصيل المرأة العلمي والمعرفي لذلك تركت اسماء الميلاد مكانها لأسماء الشهرة، ومن خلال ذلك أثبتت المرأة وجودها. وواضح أن ما حدث في ذلك الزمن يصعب تكراره الآن لأن المقاييس مختلفة، ولأن حركة التطور رغم مشاركة المرأة لا ترتبط الأسماء فيها بالقيمة المعرفية، خصوصاً في جانبها العقائدي بقدر ما تطلبه ألقاب الشهرة العادية ذات الصلة بلقمة العيش، أو تلك المصاحبة لاختيار الأسماء من أولياء الأمور، وحتى هذه لم يعد فيها التطلع نحو الكواكب والتميز عن الرجال. يصعب قراءة مدلولات الاسماء السابقة خارج زمانها، إذ بالنسبة الينا، فإن طبيعة العصر - كما يقول الكثيرون - تتطلب اسماءً قصيرة مختصرة، غاب في كثير منها المدلول الحضاري، وفي أخرى يصعب التمييز بين ما يرتبط بالدين واللغة والثقافة والوطن الى رحابة العالم. وربما من الأسماء الحديثة تبدأ موجة العولمة، حيث لم تعد المرأة، وقبلها الرجل يهمه أن يُعطى له اسم جديد يبرز مكانته العلمية، باستثناء ألقاب الشهادات. وكيف لهما أن يسعيا إلى ذلك وقد اختصرت أهداف الحياة كلها ومعانيها. ومنها معنى الأسماء في مجرد التعبير عن اصحابها، تكراراً وذكراً، من دون البحث في معانيها، وغالبية الناس في الوطن العربي والعالم الاسلامي لا تعرف معاني الاسماء، ولا يهمها أن تعرفها، وتلك مشكلة أخرى تواجهها الثقافة العربية في ظل عالم متغير. * كاتبة جزائرية مقيمة في مصر.