هناك أحداث مفصلية في التاريخ السوري لحقبة ما بعد 8 آذار (مارس) 1963 تدل على أن المعارضة لنظام حزب البعث كانت تنبع من بيئات اجتماعية مدينية: حوادث حماة في نيسان (أبريل) 1964 التي قادتها «جماعة الإخوان المسلمين» و«حركة الاشتراكيين العرب» بقيادة أكرم الحوراني - حوادث «يوم المولد النبوي» في نيسان 1973 في حماة واللاذقية احتجاجاً على دستور 1973 حيث شارك «لإخوان» وتنظيم «الاتحاد الاشتراكي» بزعامة محمد الجراح في قيادة الاحتجاجات التي وصلت لمستوى إضراب عام في حماة. ثم جاءت أحداث حزيران (يونيو) 1979 وشباط (فبراير) 1982 لتظهر مراكز اجتماعية مدينية «حلب - حماة - اللاذقية» استند إليها «الإخوان المسلمون»، مع استثناء ملفت تمثّل في بلدات وريف محافظة ادلب التي قدمت أكبر نسبة سجناء ل «الإخوان» في تلك الأحداث التي حسم تجار دمشق مسارها في آذار 1980 لمصلحة السلطة. في أحداث 1979-1982 كانت الذخيرة البشرية ل «الإخوان» تأتي من فئات وسطى متعلمة في أحياء تقليدية «الكلاسة وباب الحديد والجميلية والفيض في حلب- الحاضر والكيلانية بحماة - الصليبة ومشروع الصليبة والطابيات والعوينة في اللاذقية» كانت متضررة من المسار الاقتصادي – الاجتماعي الذي منذ 8 آذار 1963، وبعضها، مثل حلب واللاذقية، كان قاعدة الاستناد الاجتماعية التي ارتكز عليها الناصريون في صدامهم مع البعثيين إثر انفكاك مشاركتهم في السلطة منذ 18 تموز (يوليو) 1963 الذي شهد محاولة انقلاب العقيد جاسم علوان المدعومة من القاهرة. خلال تلك الأحداث استند نظام الرئيس حافظ الأسد إلى الريف والمدن والبلدات الصغيرة وإلى تجار دمشق، في ظل غطاء دولي امتد من موسكو إلى واشنطن مروراً بلندن وباريس وإلى دعم الرياض، فيما كان «الإخوان» يستندون إلى بغداد وإلى حد «ما» إلى الملك حسين، وكان الوضع الاقتصادي قوياً ومستقراً. ملامح اقتصادية في حركة الاحتجاجات (البادئة في درعا)، التي شهدتها سورية منذ 18 آذار2011، هناك صورة جديدة: سكون احتجاجي في حلب، ومثيل له في مدينة دمشق عدا شيئاً من الحركة الاحتجاجية في حي تقليدي «الميدان»، مع حركة احتجاجية قوية في حي مثل برزة كان حتى السبعينات هو مجموعة بساتين يتوسطها مزارعون في حي صغير قبل أن يأتي قاطنون أتوا في شكل رئيسي من ريف حوران. في بلدات محافظة ريف دمشق الصورة مختلفة: حركة احتجاجية قوية في بلدات دوما وحرستا والتل، مع سكون في بلدات يبرود ودير عطية والنبك، مع احتجاجات أخذت منحى صاخباً في منطقة الغوطة الشرقية «سقبا والمليحة» حيث أضيف الى تدهور الزراعة تضرر صناعة المفروشات، وهي حرفة تقليدية هناك منذ مئات السنوات، نتيجة منافسة المستوردات التركية في السنوات الأخيرة. في مدينة درعا، وفي حوران بريفها وبلداتها، هناك احتجاجات شاملة لا توازيها كصورة سوى محافظة ادلب، حيث يبدو أن تدهور الزراعة وضعف الاستثمار الحكومي يؤديان إلى هجرات من درعا وحوران نحو دمشق، كذلك من محافظة ادلب نحو مدينة اللاذقية حيث يشكل الآتون من هناك، (يسمون في اللاذقية ب «الشريقية»)، ما يفوق ربع سكان المدينة، وهم العصب الاجتماعي لحركة الاحتجاج في تلك المدينة الساحلية من خلال أحياء «بستان الصيداوي والسكنتوري والرمل الجنوبي». وأصبح مركز حركة الاحتجاجات ضد نظام البعث لأول مرة في اللاذقية في تلك الأحياء التي هي أقرب الى العشوائيات، ولم يعد في حي الصليبة، كما كان الأمر في تموز 1963 ونيسان 1973 وأيلول (سبتمبر) 1979. في مدينة حمص الصورة مختلفة، حيث يجتمع حي، هو (باب عمرو)، كان حتى الثمانينات ضيعة ببساتين على أطراف المدينة، مع أحياء تقليدية مثل «باب السباع والخالدية»، لكي تشكل المركز الاجتماعي للاحتجاجات، مع صورة جديدة تقدمها حمص حيث ظهر في الأحداث أن فئاتها الوسطى وشريحة كبرى من تجارها دخلت في خط الاحتجاجات، وهو شيء لا يلمس في اللاذقية مثلاً، فيما يمكن ملاحظته في حماة 2011، كما يمكن ملاحظة توحد بلدات تلبيسة والرستن مع حمص وحماة في تشكيل مراكز للحركة الاحتجاجية، وهو ما يمكن ملاحظته أيضاً في مركز محافظة دير الزور وبلداتها «البوكمال والميادين»، الأمر الذي يشبه وضع محافظتي درعا وادلب، حيث تعاني هذه المحافظات الثلاث من تدهور الزراعة وضعف الاستثمارات الحكومية، فيما يمكن القول إن محافظة الحسكة، التي تعيش وضعاً اقتصادياً وخدماتياً مشابهاً لهذه المحافظات الثلاث، قد أدى تنوعها القومي، وحساسيات أحداث آذار 2004، إلى أن يكون مركز الاحتجاجات في القامشلي ورأس العين وعامودا حيث غالبية سكانية كردية وليس في مدينة الحسكة ذات الخليط العربي والكردي وحيث يوجد الكثير من المسيحيين، وبالذات من السريان، أظهروا في أحداث 2011، مثل باقي مسيحيي سورية، تأييداً قوياً للسلطة القائمة. في سورية 2011 ثلاث محافظات هادئة بشكل ملحوظ: طرطوس، والسويداء، والرقة حيث الزراعة ما زالت محافظة على مردودها عند سد الفرات. في حلب يمكن تفسير الهدوء الاحتجاجي مثل الرقة وعزوه إلى الاقتصاد، فيما يمكن قول العكس عن مدينة حمص، التي تحولت كل الطرق الرئيسية السورية، بين الساحل ودمشق وبين الأخيرة وحلب ومن المنطقة الشرقيةودمشق، عن المرور في وسطها أوتوسترادات خارج حمص أو بعيداً عنها، فيما كانت حتى أواسط الثمانينات تمر في داخل المدينة وتنعش أسواقها، وهو ما زادت مفاعيله السلبية مع تمييزات في الوظائف لغير صالح أبناء مدينة حمص فيما كان عمل المحافظة في السنوات الأخيرة غاية في الفساد. طبقات الأكثرية السنية بشكل عام، يمكن القول إن هناك حركة احتجاجية سورية تستند إلى قاعدة اجتماعية واسعة من الطائفة السُنية، ولكن، في الأرياف والبلدات الصغيرة وفي بعض المدن، مثل درعا وحمص وحماة ودير الزور، مع تأييد ملحوظ للسلطة بين تجار وصناعيي وأغنياء السُنة، وتردد كبير بين فئات وسطى سُنية يمكن تلمسه بقوة في دمشق وحلب واللاذقية، بخلاف حمص وحماة: في سورية 2011 ظهر أن الطائفة الوحيدة التي كانت مقسومة على أساس طبقي، أي اقتصادي- اجتماعي، وبالتالي سياسي، كانت هي الطائفة السٌنية (75 في المئة من مجموع السكان)، وهي لم تتصرف كطائفة، فيما كانت الأقليات «علويون – مسيحيون – دروز - اسماعيليون - شيعة اثنا عشرية» موحدة ككتل صلبة مع النظام، مع استثناءات هي أقرب إلى الحالات الفردية، وهو ما ينطبق على الأكراد «7-9 في المئة من السكان وهم سٌنة» الذين ظهروا كأقلية وحيدة وقفت في المعارضة، كجسم اجتماعي، وأيضاً ككتلة موحدة صلبة، مع مؤشرات أظهرتها مدينة السلمية إلى أن هناك انقساماً سياسياً يجعل الطائفة الاسماعيلية في وضعية عدم التماهي بين الطائفة والميل السياسي. وأكثر ما يلفت النظر في سورية 2011 «والمجتمعات عندما تحصل فيها زلازل تظهر فيها أيضاً حالة باطن التربة» هو ذلك التماهي الكبير الذي ظهر بين الطائفة، والدين، والإثنية، وبين الميل أو الموقف السياسي عند غالبية كاسحة في تلك الطائفة أو الدين أوالإثنية، في الموقف من أحداث عام 2011، مع تسجيل الاستثناء الكبير الذي مثّله السنّة العرب حيث انقسموا وتوزعوا على أساس طبقي «اقتصادي- اجتماعي» بين المعارضة والموالاة للسلطة، مع نسبة كبيرة من المترددين. هذا التماهي لم يكن بهذه القوة في أحداث 1979-1982 حيث أعطت الطائفة العلوية، وعلى رغم محاولات «الإخوان المسلمين» لجعل الصراع آنذاك طائفياً من خلال اغتيالات على الهوية، صورة عن انقسام قوي اجتماعياً بين السلطة والمعارضة. بين السلطة السورية وبشير الجميل كما كان مسيحيو سورية مقسمين آنذاك بين السلطة السورية والشيخ بشير الجميِِل (زعيم ميليشيا الكتائب اللبنانية في تلك المرحلة)، وكذلك دروز سورية الذين كان آنذاك ل «بعث العراق» استقطابات كبيرة بينهم، ولا يعرف ما اذا كانت هذه الحالة السورية تعبيراً عن أعراض مرض موقت في جسم اجتماعي لم يسأل في عام 1955 عن طائفة رئيس الوزراء فارس الخوري، وكان سُنّة سورية هم القاعدة الاجتماعية التي استند إليها الفريق حافظ الأسد في 16 تشرين الثاني (نوفمبر) 1970 عندما حسم الصراع ضد اللواء صلاح جديد؟... الأمر الثاني الذي يلفت الانتباه، هو اتجاه الجسم الاجتماعي المعارض، الذي يتحرك بدوافع اقتصادية - اجتماعية - ثقافية، إلى أن يعطي لحراكه مساراً سياسياً، وليس مطلبياً، منطلقاً من اعتبار أن باب البيت هو السياسة وأن غرفه هي «الاقتصاد» و «الاجتماع» و «الإدارة» و «القانون» و «الحياة الفردية»، وبالتالي فإن السياسة هي المفتاح والباب إلى كل تلك الغرف، وهذا أمر مثير للملاحظة والدرس عند مجتمع كان في حالة صمت عن السياسة لتسعة وعشرين عاماً ثم كسر صمته بدءاً من يوم 18 آذار 2011. ليبرالية إعلان دمشق افتقدت الحياة السياسية السورية، منذ 8 آذار 1963، وجود تيار ليبرالي، مقتصرة على ثلاثة تيارات: عروبي قومي (بعث - ناصريون - حركة القوميين العرب)، إسلامي وماركسي. وكانت ملاحظة أستاذ الفلسفة في جامعة دمشق نايف بلوز، حين طرح في آذار 1978 «مشروع موضوعات المؤتمر الخامس للحزب الشيوعي السوري - المكتب السياسي» الذي تضمن أول طرح لقوة سياسية سورية يتبنى الديموقراطية منذ 1958 بدلاً من «الديموقراطية الشعبية» أو «الديموقراطية الثورية»، بأن هناك بذرة لليبرالية في «الموضوعات» إن لم يتم إنشاء تزاوج فكري- نظري بين الماركسية والديموقراطية، الشيء الذي هو مفتقد عند الماركسيين منذ لينين وثورته البلشفية، مع استثناء أنطونيو غرامشي. وفعلاً فإن قيام الاتجاه الليبرالي السوري، من جديد، في العقد الأول من القرن الجديد، اعتمد على الآليات الفكرية لتحولات الكثير من الماركسيين نحو الليبرالية في مرحلة ما بعد انهيار الدولة السوفياتية، ولم يأخذ قوامه كتيار فكري - سياسي إلا مع نشوء «حزب الشعب الديموقراطي» في نيسان 2005 معتمداً على تحولات قسم كبير من أعضاء «الحزب الشيوعي- المكتب السياسي» بعيداً عن الماركسية باتجاه الليبرالية، وهو ما لم يستطع أن ينجح فيه الصناعي المعارض رياض سيف من خلال طرحه في نهاية كانون الثاني 2001 برنامج «حركة السلم الاجتماعي»، ولا رجال أعمال ارتبطوا بالسلطة وأرادوا المزاوجة بين «الضابط» و«رجل الأعمال» كما فعل الجنرال بينوسيه في تشيلي منذ انقلابه على سلفادور ألليندي في 11 أيلول 1973. تبلور التيار الليبرالي في ربيع 2005 هو الذي قاد إلى «إعلان دمشق» في 16 تشرين الأول (أكتوبر) 2005، الذي ضم طيفاً معارضاً عريضاً امتد من «حزب الشعب)» و«الإخوان المسلمين» إلى «الأحزاب الكردية» وصولاً إلى ناصريي «حزب الاتحاد الاشتراكي» وحتى «حزب العمل الشيوعي»، وأيضاً رجل أعمال مثل رياض سيف الذي وقّع على وثيقة «الإعلان» من السجن، وغالبية مثقفي «لجان احياء المجتمع المدني»: كان «إعلان دمشق» معتمداً، في طرحه «التغييري» وليس «الإصلاحي»، على تداعيات سورية كان يراهن على حصولها في دمشق بعد أن وصلت رياح بغداد 9 نيسان 2003 إلى بيروت 14 آذار 2005. وعملياً كان الصراع في «الإعلان»، على مدى سنتين، متمحوراً حول الموقف من المراهنة على «العامل الأميركي»، وهو الذي قاد إلى إسقاط معارضي هذه المراهنة من مرشحي «الاتحاد الاشتراكي» و «حزب العمل» إلى «هيئة الأمانة العامة لإعلان دمشق» في جلسة «المجلس الوطني للإعلان» في 1 كانون الأول (ديسمبر) 2007، مما وضع البذور لانشقاق جسم المعارضة السورية إلى شقين، وهو ما جرت المحاولة من خلاله وعبره، بين كانون الثاني 2008 وتموز 2010، لبلورة «خط ثالث»، بين خطي السلطة و «الإعلان»، ثم فشلت بعد عشرات الاجتماعات بين «الاتحاد الاشتراكي» و «تجمع اليسار الماركسي- تيم» وأحزاب كردية، وشخصيات ومثقفين مستقلين. خريطة المعارضة بعد نشوب الحراك السوري الحالي بدءاً من 18 آذار 2011، جرت محاولة لتشكيل ائتلاف عريض للمعارضة السورية، يضم «إعلان دمشق» و «التجمع الوطني الديموقراطي» و «تيم» و «الحركة الوطنية الكردية:11 حزباً»، وقد وضعت وثيقة في 9 أيار (مايو) لتكون محور نقاشات مؤتمر عام لممثلي هذه الكتل الأربع مع حضور خمسة وثلاثين شخصية مستقلة، وقد وجهت الدعوات، وكاد اللقاء يحصل، إلى أن ظهر خلال أسابيع ثلاثة من حزيران (يونيو) بأن انشقاق المعارضة السورية، الظاهر منذ نهاية 2007 حول طيف واسع من القضايا، لا يمكن رتقه، وهو ما أدى في السبت 25 حزيران لانعقاد اللقاء بمن حضر وانبثق منه قيام «هيئة التنسيق الوطنية لقوى التغيير الوطني الديموقراطي» التي وقع على وثيقتها التأسيسية أربعة أحزاب من «التجمع الوطني الديموقراطي» وأحزاب «تيم» وخمسة أحزاب كردية ومثقفون ماركسيون، وليبراليون يرفضون المراهنة على «العامل الخارجي»، مع ممثلي مدرسة الشيخ جودت سعيد الإسلامية الاعتدالية. بالمجمل يمكن القول إن أحزاب «هيئة التنسيق» تمثّل اليسارات الثلاثة: العروبية القومية، والماركسية، والكردية (حزب عبد الله أوجلان في سورية: «حزب الاتحاد الديموقراطي: PYD»، و «حزب يكيتي» و «الحزب اليساري الكردي» ويسار «البارتي» الممثل في حزبين) مع ليبراليين وطنيين وإسلاميين معتدلين. في مقابل هذه الضفة هناك ضفة مقابلة ربما تجتمع من خلال دعوة وجهت في 16 تموز الجاري ل «مؤتمر الإنقاذ» في إسطنبول وفي ضاحية القابون الدمشقية (لم تنعقد) وكان واضحاً في إسطنبول حضور ثلاثة يمينات: إسلامي، ليبرالي، وكردي (محسوب بأحزابه على كل من البرزاني والطالباني)، وهي لا تقبل بأقل من «إسقاط فوري» للنظام و «بكل السبل» ولو كان أحدها «السيناريو الليبي». الجديد في سورية 2011 هو «تنسيقيات الحراك»، وليست واضحة خرائطها الفكرية السياسية، وإن كان يمكن لمس مسحة إسلامية غير واضحة القوام على بعضها، ولكن يمكن القول، بناء على تجربتي تونس ومصر، إن الحركة العفوية للشارع المنتفض والثائر لا تستطيع بعد التغيير أن تقفز على (أو تقدم بديلاً) التيارات السياسية القائمة ولا على معظم حركاتها وأحزابها. يلاحظ، هنا، وعلى رغم وجود «الإخوان المسلمين» الرجراج في «إعلان دمشق» منذ تشكيلهم في عام 2006 تحالفهم مع نائب الرئيس السابق عبد الحليم خدام ثم فكهم هذا التحالف في 2009، أنهم يحاولون من خلال الأحداث السورية 2011 (التي أثبتوا خلالها قوتهم السياسية الكبيرة من خلال ركائزهم الاجتماعية- الثقافية بعد سحق تنظيمهم أمنياً خلال أحداث 1979-1982) المحافظة على مسافة بهذا الشكل أو ذاك من الجميع: من «حزب الشعب» و «الإعلان»، ومن «هيئة التنسيق»، وحتى من السلطة التي يقال إن هناك محاولات لتقاربات بينها وبين «الإخوان» عبر وساطة تركية للوصول إلى صيغة ربما تكون طبعة سورية لما هو قائم الآن في القاهرة بين «المجلس العسكري» و«الإخوان» تحت المظلة الأميركية والذي يشبه ما هو قائم بين العسكر الأتراك وحزب أردوغان وأيضاً في رعاية واشنطن. في المقابل، لم تحصل انزياحات، في سورية ما بعد 18 آذار 2011، عند حلفاء السلطة في «الجبهة الوطنية التقدمية»، تشبه ما حصل من ابتعادات شهدناها أثناء الأحداث التونسية عند «حزب التجديد» بعيداً عن سلطة بن علي، وعند حزبي «التجمع» و «الوفد» خلال ثمانية عشر يوماً ما بعد ثورة 25 يناير ضد حسني مبارك، وهذا ينطبق أيضاً على الموالين للسلطة في «اللجنة الوطنية لوحدة الشيوعيين» بقيادة الدكتور قدري جميل وفي الجناح الذي هو خارج «الجبهة الوطنية التقدمية» «الحزب السوري القومي الاجتماعي» الذي يرأسه الدكتور علي الشيخ حيدر. في صورة مماثلة، لم تفرز السلطة السورية، خلال أربعة أشهر من الأحداث، تياراً «إصلاحياً» واضح المعالم والقوام في الطرح، أو الأشخاص، بعيداً عن خطابها التقليدي، على رغم محاولة بعض السلطة تقديم لغة جديدة وإظهار «انفتاح» واعتراف غامض الملامح بوجود معارضة سورية. من الواضح، الآن وبعد أربعة أشهر من الحراك السوري، أن دمشق تعيش مرحلة انتقالية بعيداً عن 48 عاماً من مرحلة ما بعد 8 آذار 1963: هل يمكن القول إن حراكات القوى السياسية السورية خلال مرحلة ما بعد 18 آذار 2011، واصطفافاتها وتباعداتها وتلاقياتها، هي صورة عن مرحلة ما بعد اكتمال مرحلة الانتقال، أم أن هذا كله مرحلي وظرفي؟... * كاتب سوري