أجرى وزير الخارجية الايراني الدكتور كمال خرازي في دمشق امس محادثات مع الرئيس حافظ الأسد ووزير الخارجية السوري السيد فاروق الشرع في اطار مبادرة الوساطة التي بدأتها طهران بين دمشقوانقرة لتسوية الأزمة بينهما. وسيجري خرازي اليوم محادثات مع المسؤولين الاتراك لپ"نزع فتيل الأزمة". في غضون ذلك، شن وزير الدفاع السوري العماد أول مصطفى طلاس حملة على "الأطراف العربية التي انضمت الى الحلف العدواني التركي - الاسرائيلي" والتي "تدعو الى التطبيع"، ملمحاً الى الأردن من دون ان يسميه، وواصفاً مواقف هذه الأطراف واستمرارها في "التطبيع" مع اسرائيل بأنها "خيانة قومية". وكانت مصادر سورية رفيعة المستوى استبقت وصول خرازي الى دمشق ورحبت بالجهود الايرانية، مبدية استعداد سورية لپ"الحوار لحل كل القضايا العالقة"، مؤكدة على ضرورة "استئناف اجتماعات اللجان الأمنية والمائية والسياسية" السورية - التركية التي شكلت نهاية الثمانينات. وقالت المصادر ل "الحياة" ان "الحوار السياسي في السنوات الماضية خصوصاً فترة ترؤس تورغوت أوزال الحكومة التركية بين عامي 1983 و1991، أدى الى حل كل المشاكل عبر العلاقات الودية والجيدة وعلاقات حسن الجوار". واستطردت ان الجانب التركي هو الذي "عطل ذلك ونتمنى ان تحيي انقرة لقاءات اللجان المشتركة، اذ تمكن مناقشة كل مشكلة من هذه المشاكل على الطاولة من دون ان يكون هناك أي تدخل أو ضغط من أي جهة أجنبية". وأضافت ان "الشعبين العربي والتركي موجودان في هذه المنطقة ولا يمكن لأحد أن يلغي الآخر، خصوصاً ان العلاقات الروحية، التي هي أسمى العلاقات بين الانسان وأخيه الانسان، جمعت الشعبين في دولة واحدة ولا تزال تجمعهما وتقرب بينهما على رغم انهما يعيشان في دولتين". وتابعت: "من مصلحة الشعبين في سورية وتركيا تنقية العلاقات وتطويرها لتشمل المجالات كافة". وكان خرازي اعرب لدى وصوله الى دمشق عن أمله بأن تساهم الجهود الجارية في حل المشكلة بين سورية وتركيا بالطرق السلمية وبالحوار البناء". وقال ان الرئيس الايراني محمد خاتمي الذي ترأس بلاده منظمة المؤتمر الاسلامي أوفده بعد اتصال اجراه أول من أمس مع الرئيس الأسد. وبعدما أشار الى احتمال حصول مشاكل بين أي دولتين، قال: "نحن مطمئنون الى انهما سورية وتركيا قادرتان على حل مشاكلهما بالطرق السلمية". واعرب الشرع عن أمله بأن "تتكلل زيارة خرازي بالنجاح"، مجدداً الموقف السوري من "التهديدات التركية الذي تم التعبير عنه في بيان لمصدر مسؤول مساء السبت الماضي وأوضح مختلف جوانب الاستفزازات والتصريحات التركية المفاجئة، وأكد بوضوح حرص سورية على حل أي اشكال عالق بين البلدين بالطرق الديبلوماسية وعبر الحوار، وهذا ما نفعله". وزاد: "إن إثارة الأزمة القديمة في هذا الوقت بالذات لم تكن مفهومة بالنسبة إلينا على الإطلاق، وكانت التصريحات الاستفزازية من المسؤولين الاتراك غير مألوفة بهذا الشكل. ونحن لا نود من جارتنا تركيا ان تلقي ما تعانيه من مشاكل داخلية على جيرانها". وحمل وزير الدفاع السوري على التحالف التركي - الاسرائيلي قائلاً ان "المحور الأمني الاقليمي الجديد يعكس الطبيعة العدوانية الاستفزازية الموجهة ضد سورية، ودلت على ذلك التصريحات الأخيرة للمسؤولين الاتراك التي تضمنت تهديدات صريحة ومباشرة لسورية". وتابع طلاس الذي كان يتحدث ليل الاربعاء في تخريج عسكريين ان "دخول تركيا هذا الحلف ليس لمصلحة الشعب التركي ولا لمصلحة الأمة الاسلامية، لأن اسرائيل هي المستفيدة الوحيدة من الحلف الذي تم بمباركة الولاياتالمتحدة". وزاد ان "شعوب المنطقة ترفض سياسة الأحلاف والمحاور لأنها خبرتها سابقاً، ولم تحصد منها الا التوترات السياسية وتعكير صفو المنطقة وتخريب علاقات التعاون بينها". وانتقد وزير الدفاع السوري الأردن من دون ان يسميه لأنه "انضم الى هذا الحلف العدواني" و"دعا الى التطبيع مع العدو". ووصف خروج بعض الأطراف العربية عن الاجماع العربي والمشاركة في مشاريع "معادية للأمة" بأنها "خيانة قومية وارتماء في احضان الأعداء وتفريط بمصالح الجماهير العربية". واعتبر ان "الموقف المتخاذل لهؤلاء زاد تعنت اسرائيل وغطرستها ودفعها الى مزيد من التمادي في سياستها المعادية لقرارات الشرعية الدولية، وتجسد ذلك بمواصلتها اجراءاتها التعسفية في الأراضي العربية المحتلة عبر مصادرة الأراضي والاستيلاء عليها وهدم المنازل الفلسطينية والتخطيط لبناء مستوطنات صهيونية جديدة محلها". الوساطة المصرية الى ذلك أ ف ب أكد وزير الخارجية المصري السيد عمرو موسى أول من أمس ان العرب يرفضون تحركاً عسكرياً تركياً ضد سورية، مشيراً الى ان "هناك اجماعاً عربياً على شيئين: الأول ان المشاكل القائمة بين البلدين لا تستدعي عملاً عسكرياً، بل حواراً فورياً، والثاني ان العمل العسكري ستكون آثاره وخيمة على المنطقة". ولفت الى ان "الدول العربية تساند الجهود التي يبذلها الرئيس حسني مبارك" لتسوية الأزمة، واعتبر انه "يمكن احتواء الأزمة من خلال الديبلوماسية الهادئة رغم ان الوضع معقد". وقال: "نعمل لتجنب اذكاء التوتر آخذين في الاعتبار الشكاوى من الطرفين". وذكر موسى ان "الجانب التركي لديه رغبة في حل الأزمة وانهاء التهديدات التي يواجهها من قبل حزب العمال الكردستاني"، مشيراً الى ان "هذه مسألة أصبحت رئيسية في التوجه التركي". ونسبت وكالة "فرانس برس" الى مصدر ديبلوماسي عربي في العاصمة السورية ان دمشق طلبت من تركيا، بواسطة مصر، تقديم أدلة على اتهاماتها بأن حزب العمال وزعيمه عبدالله أوجلان يتخذان سورية مقراً. وقال ديبلوماسي عربي طلب عدم ذكر اسمه ان المسؤولين السوريين اكدوا للرئيس مبارك أنهم "مستعدون للتعاون" لخفض التوتر مع انقرة. وقالوا: "فليقدم لنا الأتراك أدلة ومؤشرات، فقد يسهل ذلك مهمتنا ويرضيهم، بما أنهم متأكدون جداً من اتهاماتهم". وأشار الديبلوماسي الى ان دمشق وافقت على عقد اجتماع على مستوى الخبراء بين البلدين في اطار الاتفاق الأمني الموقع بينهما عام 1992، والذي أسفر آنذاك عن اغلاق معسكر لحزب العمال في سهل البقاع اللبناني.