لم يجد الشاعر عزالدين المناصرة، من صفة يضعها للقصيدة الحديثة الخارجة عن عروض الخليل إلاّ ان يصفها ب"الخنثى" وكان قد وصفها بذلك اولاً في تعليق صحافي معه وعاد ليؤكد ذلك في مؤلف مكرّس لهذه "الوصفة الشعرية الذكورية" التي لم يجد افضل منها، يقدمها لقرّاء العربية اليوم وهم أمام تساؤلات وتحديات تهدد كل كيانهم الثقافي على ابواب الألف الثالث الميلادي! هكذا يلجأ شاعر، يحاول ان يلعب دور ناقد، الى "قبيلته الشعرية" القائمة على "عمود" الشعر سعيداً بانتمائه هذا محاولاً تقنيع ذلك ببحث حول بعض ادبيات الشعر الحديث الخاصة بقصيدة النثر. إن اللافت في الوسط الثقافي العربي اليوم انه مهما كان الإشكال، الذي نحن بصدده، من التعقيد والخطورة مثل سؤال الحداثة واختبار النص الشعري، كأهم معطى حضاري عربي يواجه امتحان العصر وبمعيّته سؤال الهوية والمستقبل، اقول مهما كان السؤال والتحدي من الأهمية يأتي شاعر، وللمفاجأة من بين الطليعيين كما يصف نفسه ولا يجد صيغة افضل من الارتداد الى قوانين القبيلة والهيمنة الذكورية للمجتمع والثقافة جاعلاً منها منصّة للفصل والحسم وربما ل"دفع الديّة" ولمَ لا اذا سرنا على هذا المنوال؟ إن سؤال الشعر الحديث اليوم بكل تعقيداته ومتناقضاته اكبر من اللهو به على هذه الطريقة، وإن المجتمع العربي بكل قواه الابداعية يقدم كل يوم شكلاً من الإجابة التي تنصهر فيها الذائقة والذاكرة بملامح نص جديد يحمل الصوت الشعري العربي الى العالم، كأعمق ما أنتجته المخيّلة الابداعية العربية. هذا التمرين اليومي مستمر بين الشعر الحديث والقرّاء وهو يقدم نتائجه من دون توقف وما على المراقب إلا متابعة عجلة النتاج الشعري العربي، من دون الوقوف عند فلتات هنا وشطحات هناك. وأخيراً، وإذا أردنا ان نعود الى وصفة "الخنثى" الآنفة الذكر، وعلى ضوء منطق صاحبها، باعتبارها ليست "ذكراً" ولا "أنثى" فانني اقترح عليه صفة اخرى غابت عنه، وليس ذلك محض صدفة، وهي "القصيدة الاندروجين" لأن الانسان المتكامل في الاسطورة الاغريقية هو الذي يجمع بين صفات الذكورة والأنوثة، وهو الذي يعرف ب"الاندروجين". ولهذا، وانطلاقاً من كون الشعر العربي جزء لا يتجزأ من المخيّلة والتراث الانساني، فان قصيدة النثر، التي تحتوي على صفات الشعر والنثر - الذكورة والانوثة من وجهة نظر الشاعر عزالدين المناصرة - ستكون بهذا المعنى القصيدة الاندروجين، اي الاكثر تكاملاً. * شاعر عراقي.