صلاح يعيد ليفربول للانتصارات بالدوري الإنجليزي    القمر يطل على سكان الكرة الأرضية بظاهرة "التربيع الأخير"    مشاهدة المباريات ضمن فعاليات شتاء طنطورة    المملكة تفتتح القسم القنصلي بسفارتها في السودان    خليجي 26: العراق يفوز على اليمن برأسية أيمن حسين    مدرب الأخضر يستبعد فراس البريكان من قائمة خليجي 26 .. ويستدعي "الصحفي"    قائد القوات المشتركة يستقبل عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني    سعود بن نهار يستأنف جولاته للمراكز الإدارية التابعة لمحافظة الطائف    ضيوف الملك يشيدون بجهود القيادة في تطوير المعالم التاريخية بالمدينة    شرطة العاصمة المقدسة تقبض على 8 وافدين لمخالفتهم نظام مكافحة جرائم الاتجار بالأشخاص    أمير حائل يشهد حفل ملتقى هيئات تطوير المناطق والمدن 2024    39955 طالبًا وطالبة يؤدون اختبار مسابقة "بيبراس موهبة 2024"    الأمير فيصل بن سلمان يوجه بإطلاق اسم «عبد الله النعيم» على القاعة الثقافية بمكتبة الملك فهد    المشاهير وجمع التبرعات بين استغلال الثقة وتعزيز الشفافية    اتفاقية لتوفير بيئة آمنة للاستثمار الرياضي    السعودية تستضيف غداً الاجتماع الأول لمجلس وزراء الأمن السيبراني العرب    جمعية المودة تُطلق استراتيجية 2030 وخطة تنفيذية تُبرز تجربة الأسرة السعودية    نائب أمير منطقة مكة يستقبل سفير جمهورية الصين لدى المملكة    السعودية واليمن تتفقان على تأسيس 3 شركات للطاقة والاتصالات والمعارض    نائب أمير منطقة تبوك يستقبل مدير جوازات المنطقة    نائب أمير الشرقية يفتتح المبنى الجديد لبلدية القطيف ويقيم مأدبة غداء لأهالي المحافظة    ولادة المها العربي الخامس عشر بمحمية الأمير محمد بن سلمان الملكية    ولادة المها العربي ال15 في محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية    نجاح عملية جراحية دقيقة لطفل يعاني من ورم عظمي    شركة آل عثمان للمحاماة تحصد 10 جوائز عالمية في عام 2024    اليوم العالمي للغة العربية يؤكد أهمية اللغة العربية في تشكيل الهوية والثقافة العربية    "الوعلان للتجارة" تفتتح في الرياض مركز "رينو" المتكامل لخدمات الصيانة العصرية    الصحة تحيل 5 ممارسين صحيين للجهات المختصة بسبب مخالفات مهنية    القبض على ثلاثة مقيمين لترويجهم مادتي الامفيتامين والميثامفيتامين المخدرتين بتبوك    "سعود الطبية": استئصال ورم يزن خمسة كيلوغرامات من المعدة والقولون لأربعيني    طقس بارد إلى شديد البرودة على معظم مناطق المملكة    تنفيذ حكم القتل بحق مواطنيْن بتهم الخيانة والانضمام لكيانات إرهابية    أسمنت المنطقة الجنوبية توقع شراكة مع الهيئة الملكية وصلب ستيل لتعزيز التكامل الصناعي في جازان    اختتام أعمال المؤتمر العلمي السنوي العاشر "المستجدات في أمراض الروماتيزم" في جدة    استشهاد أربعة فلسطينيين في غارة إسرائيلية على منزل وسط قطاع غزة    "مجدٍ مباري" احتفاءً بمرور 200 عام على تأسيس الدولة السعودية الثانية    «العالم الإسلامي»: ندين عملية الدهس في ألمانيا.. ونتضامن مع ذوي الضحايا    إصابة 14 شخصاً في تل أبيب جراء صاروخ أطلق من اليمن    «كنوز السعودية».. رحلة ثقافية تعيد تعريف الهوية الإعلامية للمملكة    وفد «هارفارد» يستكشف «جدة التاريخية»    التعادل يسيطر على مباريات الجولة الأولى في «خليجي 26»    فتيات الشباب يتربعن على قمة التايكوندو    «عكاظ» تنشر توصيات اجتماع النواب العموم العرب في نيوم    ضبط 20,159 وافداً مخالفاً وترحيل 9,461    200 فرصة في استثمر بالمدينة    5 حقائق حول فيتامين «D» والاكتئاب    رحلة إبداعية    «موسم الدرعية».. احتفاء بالتاريخ والثقافة والفنون    مدرب الكويت: عانينا من سوء الحظ    سمو ولي العهد يطمئن على صحة ملك المغرب    لمحات من حروب الإسلام    «يوتيوب» تكافح العناوين المضللة لمقاطع الفيديو    السعودية أيقونة العطاء والتضامن الإنساني في العالم    الحربان العالميتان.. !    معرض وزارة الداخلية (واحة الأمن).. مسيرة أمن وازدهار وجودة حياة لكل الوطن    وفاة مراهقة بالشيخوخة المبكرة    وصول طلائع الدفعة الثانية من ضيوف الملك للمدينة المنورة    الأمر بالمعروف في جازان تفعِّل المعرض التوعوي "ولاء" بالكلية التقنية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الأيام الأخيرة لهادي العلوي : حليب وتمر وبحث في متاهات الماضي
نشر في الحياة يوم 09 - 10 - 1998

توفي اخيراً في دمشق المفكر العراقي هادي العلوي.
هنا رصد لأيامه الأخيرة، وآخر نص كتبه وكان في تقويم الوضع الحالي للأكراد.
لقائي الأول مع هادي العلوي حمل اليّ كثيراً من الدهشة المصحوبة بالمفاجأة. لم أتوقع ان المفكر الذي طالما سمعت عنه وقرأت له، في هذا المستوى من البساطة والألفة والتواضع. لقاؤه كان احدى الامنيات التي رافقتني لسنوات، منذ قرأت له اول مرة عندما كنت طالبة في المرحلة الثانوية. كان شغفي بما يكتبه يزداد يوماً بعد آخر وحلم اللقاء يرسم لي الحوار معه كبروتوكولات ثقافية رفيعة المستوى. وتكرست تلك الصورة بعد ان امتهنت الصحافة وتعاملت مع المثقفين والمفكرين الذين يغلقون ابوابهم في وجوه الصحافيين الشباب اذا لم يأتوا عن طريق معارف او اصدقاء يمهدون للقاء أول غالباً ما يكون مجالاً لاستعراضات مختلفة حسب شخصية الصحافي وجنسه، او حسب الوسيط الذي رتب اللقاء.
مع هادي العلوي كان الأمر مختلفاً. طالعني الشيخ ابو حسن هادي العلوي، سليل الحضارتين بقامته المتوسطة الطول والجسد الناحل والشعر الأبيض والبشرة السمراء وملامح وجه قديم وحزن عريق يتوارى تحت غلالة من المرح الطفولي الطريف. بدا سعيدا بالزيارة ورحب مرات عدة وكان يعقب على كل فكرة اقولها. ادهشتني تلك الرحابة والبساطة. وبدأت اجول بناظري في منزله بحثاً عن ملاحظات تكون معبراً للحوار، وعندها سألت نفسي: لم لا يكون الحوار حول مظاهر الحياة اليومية المعاصرة في الشارع والبيت والعمل؟ كيف يعيشها؟ كيف ينظر الى ابناء جيلي؟ طرحت عليه الفكرة فوافق قائلاً: اكتبي الاسئلة وحددي ما تريدين طرحه وأنا مستعد للتحاور. الا ان بداية الحوار لم تنطلق من تلك الفكرة كون الجلسة الأولى تمت قبل قراءتي لكتابه الجديد "مدارات صوفية".
البداية انطلقت من اختلافي معه حول مثالية الافكار المطروحة في المدارات، وعلى رغم اعتيادي الصدمات التي تسببها كتابات العلوي وأفكاره بدا الأمر اكثر تطرفاً في هذا الكتاب، وتحديداً الافكار الخاصة بالشعب والفقراء والمرأة، وتصوراته عن مجتمعه المشاعي. كان يعفي المستضعفين من المسؤولية تجاه ما يعانون لدرجة التنزيه، فالشحاذ كما يقول: "ليس متطفلاً بل فقير عاجز عن العمل او عاطل لم يحصل على عمل وهو لم يلجأ الى الشحاذة تطوعاً وهواية، حيث لا يمكن للانسان ان يفقد كرامته بسهولة لولا انه يخير بينها وبين الموت جوعاً. فالشحاذ ليس متطفلاً وانما المتطفل هو الحاكم والتاجر والمثقف، هؤلاء يأكلون حقوق الناس ويدفعونهم الى الشحاذة". وكان النقاش يحتد بيننا فأقول له لن نتفق ابداً. يجيب: هذا مؤكد لأننا من جيلين مختلفين وثقافتين مختلفتين وبعض آرائك من نتائج التأثر بالثقافة البورجوازية.
وعلى رغم مثاليته المتطرفة احياناً واختلافي معه، وجدت نفسي مرغمة على تبجيله ومناداته شيخنا وهي كلمة لم ترد في قاموسي يوماً قبل التعرف اليه، وذلك مبرر لدى معايشي هادي العلوي. لأن الحق عنده حق وإحقاقه لا يكون الا بالحق، فلا ديبلوماسية ولا مجاملة. وهذا جر عليه ازمات صحية كثيرة، نتيجة رفضه التعامل مع السلوكيات المزدوجة ومحاربته اياها. وعادة تكون روح الحق اكبر من طاقة الجسد. تألم هادي العلوي لألم الفقراء وبكى معهم وكم من مرة اخذ الى غرف الانعاش بعد الاجتماع بفقراء ومشردين كانوا يأتون اليه طلباً للمساعدة، كونه انشأ لهم جمعية سماها "جمعية بغداد المشاعية"، تعمل على جمع التبرعات للمحتاجين والمشردين العراقيين، ارامل ويتامى وجياعاً. هؤلاء كانوا اهله ومحور تفكيره، لهم نذر نفسه عندما عاهد والدته التي ماتت من الفقر بأن يناضل من اجلهم حتى يموت. وهادي لم يخل بالعهد وما هجر الفقر الذي لازمه وأخوه وأخته وأمه في بداية حياتهم.
ومع ان احواله تغيرت في ما بعد، وتحسن وضعه المالي، الا ان قناعته بقيت بسيطة في المأكل او الملبس او المسكن. امضى اربعين عاماً من عمره نباتياً. وجبة عشائه مثلاً، كأس من الحليب وبضع حبات من التمر وشيء من الخبز. يؤكد لزوجته ام حسن ان هذا القدر من الطعام يكفي. البورجوازيون لا يأكلون كل هذا، يجب ان نفكر بالجياع الذين لا يجدون ما يأكلونه، وسؤاله دوماً لنفسه: كيف آكل انا اكثر من حاجتي؟
تقشف فرضه على نفسه، منذ الطفولة، حين كان يرفض ارتداء الملابس الجديدة التي تخيطها والدته مفضلاً ان يرتديها اخوه، واستمر في ذلك طوال حياته. كان يفضل الذهاب الى الجامعة مشياً ليوفر ثمن فاكهة لوالدته، ولم يقبل يوماً ان يعلق في خزانة ملابسه اكثر من قميصين وبنطالين. وإذا ما اهداه احد الاصدقاء قميصاً يعطيه لمن يحتاجه. ومسكنه كان دوماً موقتاً. اذكر عندما انتقل وزوجته الى بيت جديد، زرتهما فوجدت اثاث المنزل متكوماً جانباً ومغطى بملاءات الاسرة، فسألته عن السبب، متخيلة انهم لم يستقروا بعد في الشقة الجديدة. اخبرني ان هذا المنزل لصديق سافر الى الخارج وأعطاه اياه مفروشاً بأثاث فاخر لا حاجة له به، فكل ما يحتاجه كنبة للزوار وكرسيين وطاولة للكتابة ومكتبة وما عدا ذلك اشياء فائضة لا داعي لوجودها. كان يستغرب ولع النساء بالاثاث والاشياء الكمالية. اثاث بيته بسيط جداً. بعض الصور لماركس ولينين وغيفارا وملصقات الجمعية المشاعية وبورتريه له من رسم فنان صيني الى جانبها قصيدة باللغة الصينية اهداها له شاعر صيني، وكثير من الكتب والأوراق وتاريخ من البحث والعلم والعمل والنضال.
سألته في احدى الزيارات انت ماركسي ولست سوفياتياً، لماذا تعلق صورة لينين، الا تجد في ذلك تناقضاً؟ تطلع باسماً وقال: هذه الصورة هدية من اصدقاء اكراد وأنا كما تعلمين احب الاكراد وأدافع عن قضيتهم ولذلك احتفظ بهذه الصورة. عندها فهمت ان شيخنا اذا احب شخصاً يتقبل منه كل شيء وأحياناً يبرر الخلاف معه بكل ود. جملة من اشيائه الصغيرة ترسم ملامحه الحميمة التي تشيع الدفء، وتعزز الثقة بأن الحياة لا تزال بخير. فهناك مشاعر تتحرك بحضور المرأة الزوجة ام حسن الوجه الهلالي الأسمر القادم من احزان دجلة والفرات، ام حسن ذات التكوين الأمومي للجسد، وقلقها الدائم على صحة هادي، ورحابتها وحسن استقبالها ومشاركتها في الحوار ومساندة زوجها وتأييده، وتدخلها الملطف للنقاش.
علاقتي بأبو حسن لم تعد علاقة بين صحافية وباحث. صار وزوجته يدعواني لتذوق الاكلات والحلويات العراقية وهما يفخران بها كأنها تحف يتمنيان ان يعرفها الجميع. في احدى المرات دعواني لتذوق الزلابيا العراقية والمن والسلوى المرسلة من الأهل في العراق، وعندما تناولت قطعة نظر إليّ شيخنا باستغراب وسألني: كيف اتيت الى هنا؟
- في سيارة اجرة!!
- يعني دفعت نقوداً؟
- لم أفهم؟ ربما دفعت!!
- اقصد انك امسكت النقود بيديك؟؟
- نعم.
- يجب ان تغسلي يديك قبل تناول الحلوى...
كان مولعاً بالنظافة لدرجة التطرف فإذا وقع شيء على الأرض طلب تعقيمه، حتى علبة المناديل الورقية امتنع عن استعمالها عندما سقطت ارضاً طالباً من ام حسن تعقيمها. تلك السلوكيات اليومية البسيطة كانت تعكس الى حد كبير تعامل هادي العلوي مع الحياة التي كان فيها شديد الحرص على النظافة، فعاشها معقمة تماماً لدرجة افقدت نظرياته التجربة الواقعية الحية، لتنحصر في افق مثالي طوباوي ابعدته يوماً بعد آخر عن المعاناة الحقيقية للشارع المعاصر. ظل محافظاً على موقعه البحثي في التراث ليتحول من باحث الى منقب يكرس حياته للقراءة والكتابة، وهكذا كان يعيش في الماضي اكثر من الحاضر بهدف رسم لوحة مشرقة للمستقبل، فاقداً متعة يومه لأجل ذلك. حتى تعبت منه الحياة قبل ان يتعب منها.
عندما زرته بعد نجاته من الغيبوبة الأولى في الربيع الماضي، قال اشعر انني مت وعشت مرة اخرى وهذه الأيام هي عمر اضافي، اتمنى لو استطيع انجاز بعض مشاريعي قبل ان ارحل الى الأبد، ما زال مشروع القاموس في بداياته وكذلك مشاريع اخرى كثيرة. سألته: ماذا عن رحلة الموت الأولى؟ قال: سأكتبها في مذكراتي اذا استطعت، ان طعم الموت ليس مراً كما يظنون وأنا تذوقته بنفسي ورأيت اروقته من دون الاحساس بالفناء.
بعد اصابته بنزف دماغي اثناء تصوير مقابلة لتلفزيون ام. تي. في اجريت له الفحوص اللازمة في مستشفى الشامي وكان الاطباء يعتقدون ان ازمته تتعلق بمرضه المزمن: الربو. نزيف الدماغ لم يكن بالحسبان. وهكذا احتال الموت على شيخنا وغدره، لكنه صمد في وجهه ولم يغب عن الوعي الا بعد اكمال الاجابة عن اسئلة المقابلة التلفزيونية، ولكن في غرفة الانعاش، كما أفاد الطبيب مبدياً اسفه الشديد لعدم الانتباه لضرورة تسجيل كلماته الاخيرة. كان العلوي يردد "الحضارة الاسلامية انجزت الكثير ويجب ان تستمر في الانجاز".
تركنا وأخذ معه سؤالنا عن صحته وصحة عينه الوحيدة التي ساعدته في انجاز كل ما اهدى للمكتبة العربية. لم اكن اصدق ان شيخنا يقرأ ويكتب بعين واحدة، لأن العين اليمنى كانت ضعيفة جداً بحيث لا يرى بها، فقد تعرضت لمشكلة صحية في سن الطفولة بسبب الاهمال. علمت ذلك منه حين ضعفت العين الاخرى في الفترات الاخيرة، وصارت القراءة متعذرة ونوعاً ما الكتابة. وعلى رغم اسفه لتدهور صحته لم يكن يظهر ذلك ابداً بل بقي يتحرك بنشاط وحيوية ويحاور دون ملل او تعب او شكوى. والاطمئنان على صحته كان من خلال سؤال ام حسن، السيدة النموذجية الواقفة الى جانب شيخنا بشجاعة وصبر، تساعده في عمله وتهيئ له الظرف الملائم والرعاية الفائقة. لم تكن تكتم فرحها لانجازاته الكبيرة والصغيرة، على رغم التناقض بين افكارها وسلوكياتها كسيدة شرقية اصيلة متدينة من جهة وبين نزعاته وشطحاته الفكرية والنضالية من جانب آخر.
* صحافية سورية.
عرب العراق هم الاكثر تسامحاً مع الاكراد
ليس الأكراد هم الذين يتعاملون مع الغربيين وقادتهم الاميركيين، بل الذين يتعاملون معهم هم الزعماء الاقطاعيون وامراء الحرب والمثقفون الفاسدون. اما الشعب الكردي، فهو ابن الاسلام والحضارة الاسلامية ويستحيل ان يتعامل مع الغرب كما يستحيل على هذا الغرب ان يتعامل معه. والشعب الكردي شعب مشاعي بروليتاري، وهو بالتالي معاد للشعوب الغربية المتسلطة على خيرات شعوب العالم الثالث والتي تبني سعادتها على شقاء البشرية.
علّة الاكراد في زعامتهم الذليلة التي لا تجد تحققاً لوجودها وماهيتها الا بخلع الاحذية في قاعات وزارة الخارجية الاميركية.
ولا علاقة للعرب بهذه الاشكالية الا في ما يخص كردستان الجنوبية المسماة كردستان العراق وهي الاصغر من بين الاقليمين الآخرين كردستان الشرق وكردستان ايران وكردستان تركيا الشمالية. وزعامات اكراد ايران متأمركة هي الاخرى، وقد نشطت مع الثورة الايرانية للتشويش علىها وادت خدماتها المجانية للامبريالية في الحرب ضد الجمهورية الايرانية الوليدة، وكانت الحركة الكردية في ذلك الصقع متوقفة، فانفجرت مع انفجار الثورة الايرانية لا لتتكامل معها بل لتضرّ بها نيابة عن الغربيين لا اقول هذا تزكية لموقف الفرس الشوفيني من الاكراد وانكارهم حقوقهم بل لكشف حقيقة النزعات الاقطاعية الكردية.
وفي كردستان تركيا يناضل حزب العمال الكردستاني بالسلاح مسبباً الرعب ليس فقط للكماليين بل لأوليائهم الغربيين. لكن عبدالله اوجلان الآن يتوسل الى الاميركيين لكي يتفاوضوا معه مقدماً لهم البراءة تلو البراءة من تهمة الانفصال وتهمة الشيوعية. يريد ان ينضم الى القافلة التي سبقته الى وزارة الخارجية الاميركية.
ولا ادري ان كان الزعماء الاكراد يدركون ان الغرب لن يعطيهم شيئاً فهو لا يمكن ان يؤسس دولة اضافية لشعب مسلم. وان كان ضامناً الآن ولاء الزعماء ومطمئناً الى ان هذه الدولة لن تخرج عن وصايته، فهو لن يأمن تقلبات المستقبل. بعد ثمانين سنة من الحكم الماسوني الصهيوني للكماليين يظهر حزب الرفاه بوصفه اكبر الاحزاب يهدد الكماليين في عقر دارهم.
هذا فعلُ الاتراك وهم الاقل اندماجاً في الاسلام وآخر شعب الاسلام دخولاً فيه، بل والذين كان دخولهم فيه بداية الخراب، فماذا يقال عن شعب صلاح الدين - مهما يكن فالعرب ليسوا مسؤولين عما يفعله الزعماء من كردستان ايران وكردستان تركيا.
لنتحدث عما يخصنا. ينبغي التفريق بين موقف عرب العراق وعرب البلدان الاخرى من القضية الكردية. فالعرب العراقيون اقل تعصباً ضد القوميات غير العربية، وقد حصل الاكراد على الاعتراف بقوميتهم ولغتهم وثقافتهم في النظام الملكي. واستفاد الاكراد من جو التسامح، فأسسوا احزابهم القومية وتعاونوا مع احزاب المعارضة واحياناً مع السلطة في نضالهم لنيل الحقوق، وحدث تحول جوهري جذري مع ظهور الحركة الشيوعية التي اقرت في وقت مبكر حق تقرير المصير لاكراد العراق.
وبقي حق تقرير المصير حتى الانفصال وتأسيس دولة في كردستان العراق لتكون نواة لدولة كردستان الكاملة، الحزب الشيوعي العراقي هو الوحيد الذي اثر في هذا الحق فحزب تودة لم يتبن الحقوق الكردية لقوة النزعة الفارسية في صفوفه. وكذلك الحزب الشيوعي التركي. ولا اتذكر قصيدة لناظم حكمت ينتصر فيها للاكراد كالقصائد المدوية التي كتبها شاعر العرب الاكبر في العراق محمد مهدي الجواهري.
لا تختل المعادلة بما تفعل السلطة المركزية لبغداد، فجميع الحكومات التي اضطدت الاكراد اضهدت العرب ايضاً بما فيها حكومة عبدالكريم قاسم. كان وضع الاكراد مثالياً في السنة الاولى لثورة 14 تموز كما كان وضع العراق العربي في ظل تلك الثورة، فلما غير عبدالكريم قاسم سياسته اضطراب الوضع كله واصطلى الاكراد والعرب معاً في جحيم القمع وسوء الادارة وتسلط الفاسدين على اجهزة الدولة.
وأتت حكومة صدام حسين التكريتي استثناء من هذا الوضع، الا في جهة الكبح بوصفها حكومة عصابة تحقق وجودها وماهيتها بالاستزلام والبلطجة ولا تعرف معنى العمل السياسي الخالص.
ان قيام حكومة وطنية في العراق يدعمها الشيوعيون او يديرونها بشكل من اشكال ستضمن الفيديرالية كتمهيد للاستقلال واقامة جمهورية كردستان المستقلة وعاصمتها اربيل. وسيكون على الحكم الوطني العراقي ان يتدخل لمنع وقوع الجمهورية المستقلة في ايدي عملاء الغرب وامراء الحرب والمثقفين والخونة. وهذا طموح سأناضل بنفسي لتحقيقه ضمن شروطه المتكاملة هذه.
لا خوف اذن على الاكراد من عرب العراق. انما الخوف عليهم من العرب الآخرين، وهنا يواجه الاكراد وضعاً شبيهاً لوضعهم مع الفرس والترك، ويقصد بعض القوميين العرب جبهة المقاومة ضد الاكراد وحقوقهم وهؤلاء القوميون العرب كسائر القوميين في الشرق يتخذون اعداءهم من الجوار القريب ونضالهم يتحدد في الساحتين الفارسية والكردية باعتبار الفرس والاكراد اعداء العرب التاريخيين، ويخرج الاتراك من هذه المعادلة لان عروبة بعض القوميين العرب هي من عروبة تركية نسج خيوطها الكاتب التركي ساطع الحصري. كذلك يخرج الغربيون الذين يشكلون مصدر الهام لهذا المثقف القومي العربي بوصفه نتاج الثقافة المترجمة. ومعروف ان الفكر القومي في عموم الشرق مأخوذ من الفكر الايطالي والالماني والفرنسي، ومن هنا ولاء القومي للغرب وعداؤه للقوميات الشرقية، وقد اعترف بعض القوميين العرب باسرائيل ودخلوا معها مفاوضات سلام جاعلين من السلام خيارهم الاستراتيجي، وهذا يعني اعتبار حيفا ويافا والقدس العربية والناصرة وعكا مدناً اسرائيلية. بينما يصرّ هؤلاء القوميون العرب على اعتبار السليمانية واربيل ودهوك مدناً عربية ويضيعون كردستان من خريطة الوطن العربي.
يبدو لي ان هؤلاء قد عوضوا عن استسلامهم لاسرائيل واميركا بطلبهم من الاكراد الاستسلام وانهم يقرون بدولة اسمها اسرائيل بينما تتشنج صدورهم ويسيل العرق من جباههم اذا حدثتهم عن دولة كردستان.
وللاسف ان العداء للاكراد والتنكر لحقوقهم لا يقتصر على بعض القوميين، فالعديد من المثقفين العرب غير العراقيين يتنكرون للحقوق الكردية ويعتبرون الاكراد اقلية قومية مشاغبة تعمل ضد عروبة العراق. ويشمل ذلك حتى الماركسيين منهم. وهذه الندوة التي عقدت اخيراً في القاهرة وسميت "الحوار الكردي - العربي" استُبعد منها اصدقاء الاكراد وحلفاؤهم من المثقفين العرب العراقييين. لم تخرج الندوة بالنتيجة نفسها وهي وحدة العراق العربي التي تبغي سيطرة العرب على اربيل والسليمانية والاستمرار في تعريبهما، وقد شارك امراء الحرب الاكراد في الندوة ووقعوا على جميع قراراتها.
اننا في حاجة الى ندوة حوار حقيقي يشارك فيها الاكراد الوطنيون والعرب الامميون للخروج بقرارات جديدة تنصف الاكراد وتشكل صورة جديدة للعلاقة التاريخية بين الامتين: العلاقة القائمة على حقوق السيادة.
هادي العلوي
نص ينشر للمرة الاولى وهو رد على سؤال وجهه الى هادي العلوي قبل اسابيع من رحيله، الصحافي السوري ابراهيم ابراهيم، والسؤال هو:
"الاكراد يتعاملون مع الغرب والاميركيين اكثر من تعاملهم مع العرب.
هذا الرأي نسمعه كثيراً من بعض الاوساط السياسية والثقافية العربية وفي المقابل يبرر الاكراد هذا التعامل ان وجد وهذا ما ينفونه دائماً بتخلي العرب عنهم وعدم استيعاب الانظمة السياسية العربية لقضية الشعب الكردي كقضية كيان قومي.
ما هو تقويمك لهذه المعادلة السياسية الكردية - العربية والتي باتت تشكل خطراً على الامتين الكردية والعربية، وبالتالي ما هي آلية اعادة الثقة بين الشعبين، وانت صديق للاكراد؟".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.