وقف أفراد أسرة الرئيس المصري الراحل أنور السادات أمس على مقربة من ضريحه، يوم السادس من اكتوبر، لتلقي العزاء في مناسبة الذكرى السابعة عشرة لوفاته. وعلى بعد أمتار قليلة، في مواجهتهم بدت المنصة الشهيرة خالية إلا من ذكريات دارت في اذهان أفراد الاسرة والمعزين لمشهد ذلك اليوم العصيب. لكن "طريق النصر"، وهو اسم الشارع الذي تقع المنصة على جانب منه، والضريح على الجانب الآخر، هو نفسه الذي يمتد ليصل الى "مجمع سجون طرة" الذي يضم سجوناً عدة، بينها ليمان طرة" حيث يوجد عدد من اولئك الذين خططوا لحادثة المنصة ونفذوها. ولأن العملية كانت مفاجأة والصدمة كانت كبيرة، فإن أجهزة الأمن المصرية ظلت وقتها لأيام عدة تحاول فك طلاسم وألغاز بدت كأنها لحظة وقوع الحادث شلت تفكير الكثيرين. واكتشفت أجهزة الأمن أن جهودها لمتابعة نشاط المعارضين لنظام السادات وتحجيم نشاطهم كانت تسير في الطرق الخاطئة، اذ لاحقت اليساريين والناصريين والقوميين وحتى الليبراليين من معارضي السادات وتجاهلت التنظيمات الدينية التي كانت تنمو وتنتشر وتتوغل وتتشعب حتى صارت لها ارضية واسعة من اسوان الى مرسى مطروح. ولأن عدد المتهمين كان كبيراً، واستمرت التحقيقات معهم شهوراً طويلة، فإن السلطات قسمتهم قسمين، الأول ضم من كانوا على علم بعملية اغتيال السادات قبل وقوعها وشاركوا فيها بشكل أو بآخر، فقدّموا الى القضاء العسكري. في حين قدم القسم الآخر الى محكمة مدنية. من المفارقات المهمة أن من حوكموا أمام القضاء العسكري في قضية السادات، ممن كانوا يمثلون غلاة المتشددين في "الجماعة الاسلامية" وتنظيم "الجهاد" وصدرت ضد غالبيتهم احكام مشددة، بدأوا تحولاً استراتيجياً في افكار التنظيمات الدينية المصرية عموماً عن طريق تلك المبادرة السلمية التي اطلقوها في تموز يوليو العام الماضي. ضمت لائحة الاتهام في القضية العسكرية اسماء 24 شخصاً تم اعدام خمسة منهم. وبين جدران سجن طرة الآن ممن يقضون عقوبة السجن المؤبد، كل من كرم زهدي قائد "الجماعة الاسلامية" في ذلك الوقت، وناجح ابراهيم احمد ابرز زعمائها، وفؤاد الدوالبي نائب زهدي، وعلي الشريف الذي درّب العناصر على استخدام الاسلحة في الصعيد، وعبود الزمر الضابط السابق وابن عمه طارق الزمر، وآخرون... ومن بين خمسة متهمين حكم عليهم بالاشغال الشاقة لمدة 15 سنة لم يخرج سوى اثنين هما: عبدالله سالم الذي ابتعد عن النشاط التنظيمي ويعمل حالياً في مجال السياحة. وصفوت الاشوح الذي كان أول من بدأ التحول الفكري نحو رفض العنف عندما طلب من ادارة السجن قبل خمس سنوات ابعاده عن زملائه ونقله الى سجن آخر. ومثل المتهم علي فراج حالة فريدة اذ انه حكم بالاشغال الشاقة لمدة 10 سنوات قضاها وخرج من السجن وابتعد عن النشاط التنظيمي، لكن جدران السجن استقبلت ابنه محمد الذي اعتقل في احدى قضايا تنظيم "الجهاد" وبدا أنه يكمل الطريق الذي رفض والده اكماله. واذا كان قاتلو السادات ومخططو عملية اغتياله غيّروا افكارهم وعدّلوا مواقفهم تجاه قضية العنف، فإن آخرين ممن حوكموا وصدرت في حقهم احكام مخففة وحصلوا على البراءة، فروا من مصر واتجهوا الى افغانستان وبعدها الى دول اخرى. وترى السلطات المصرية انهم لا يزالون يمثلون خطراً لأن مواقفهم لم تتبدل وافكارهم لم تتغير