وقف محمود محيسن 29 عاماً في ظل بيت مهدم هرباً من حر الشمس الشديد على مشارف مخيم عقبة جبر للاجئين الفلسطينيين بجوار عربة صغيرة تناثرت فوقها بعض ألواح الشوكولاته ورقائق البطاطا من صنع محلي. عبثاً يحاول جذب اهتمام أطفال حفاة وشبه عراة يلعبون في شوارع غير معبدة تملأها الاشواك وقطع الحديد المدببة. قال وهو ينظر الى العدد الكبير من السيارات الفارهة الاسرائيلية التي توقفت امام كازينو الواحة اواسيس للعب القمار: "كنت أتمنى لو أنهم شيدوا مصنعاً لتشغيل آلاف العمال الذين طردهم الاسرائيليون من عملهم ولكنهم شيدوا كازينو لهؤلاء". يعاني محمود من اعاقة جسدية بسيطة في قدمه منذ ثلاث سنوات، وبعدما سدت أبواب الوزارات الفلسطينية في وجهه، كما قال، اشترى عربته الصغيرة وتحول الى بائع متجول في أفقر مخيم للاجئين الفلسطينيين في الضفة الغربية، وأصبح بين ليلة وضحاها يجاور كازينو يتداول رواده في الليلة الواحدة في ما بينهم أموالاً تكفي الشعب الفلسطيني لشهور عدة. يضيف محمود، ضاماً صوته الى غالبية الفلسطينيين الرافضين لكازينو القمار الذي افتتح قبل نحو شهر فقط: "الاسرائيليون أنفسهم يرفضون فتح كازينو للعب القمار في دولتهم احتراماً لدينهم، ونحن نوفر لهم مكاناً للعب بأموال كان يجب ان تنفق من أجل الشعب... لا يكفي ان الكازينو يخالف تعاليم ديننا وتقاليدنا ويضيف الى متاعبنا، بل ان الارباح الطائلة التي يجنيها القائمون عليه لا تعود للشعب بل تجد طرقها لحفنة من الاشخاص فقط". ولا يخفي الفلسطينيون خشيتهم من تفشي ظاهرة لعب القمار بينهم على رغم اعلان ادارة الكازينو ان ارتياده يقتصر على الاسرائيليين وحاملي جوازات السفر الاجنبية. وتقدم عدد من النواب امس الثلثاء بشكوى رسمية الى المدعي العام في مدينة اريحا ضد شركة "كيب هولدنغ" بتهمة ادارة محل عمومي للمقامرة خلافاً للاحكام الواردة في القانون الاردني الذي لا يزال سارياً في الضفة الغربية. وطالبت الشكوى المدعي العام بالتحقيق مع الشركة واحالة اصحاببها الى المحكمة المختصة لإنزال العقوبة بهم. ويقول النائب المقدسي حاتم عبدالقادر "ان العديد من الفلسطينيين دخلوا بالفعل الكازينو من خلال تقديم الرشاوى، ناهيك عن الفلسطينيين الذين يحملون جوازات سفر أجنبية يبرزونها عند بوابته". ويضيف عبدالقادر الذي يترأس حركة شعبية تهدف الى اغلاق الكازينو: "يقدم الفلسطيني ورقة من فئة المئة دولار على الباب ويسمح له بالدخول في الحال... هناك اجماع في الشارع الفلسطيني على وجوب اغلاق الكازينو الذي يعتبر وجوده أمراً غير أخلاقي ولا يليق بالشعب الفلسطيني في هذه المرحلة على الأقل". وزاد: "كيف نسمح بمثل هذا الأمر ونحن تحت الاحتلال والقدس محتلة. انه أمر يثير الاشمئزاز". وكشف عبدالقادر ل "الحياة" ان عدداً من النواب المقدسيين قاموا بتشكيل "جبهة شعبية وقانونية من أجل مواجهة الكازينو" الذي قال انه "جرى انشاؤه بشكل مخالف للقانون". وطبقاً لتحريات "محقق مستقل" يعمل لمصلحة "جبهة العمل من أجل اغلاق الكازينو" فإن الشركة النمسوية أواسيس منحت وكالة فتح الكازينو لرجل أعمال "عربي" قام بتسجيل الشركة في الأراضي الفلسطينية تحت اسم "كاب هولدنغ أي جي" على أن يكون مجال عمله "ادارة شؤون الشركات التجارية والمساهمة في أعمال شركات أخرى". ووفقاً للقانون الأردني لا يحق لها مزاولة المهنة. وقال عبدالقادر ان المعركة القانونية لاغلاق الكازينو بدأت بتقديم دعوى جنائية للتحقيق في "جريمة فتح الكازينو" التي جرت في ظروف مبهمة وغير معروفة للفلسطينيين.