حتى أقرب الناس اليه اعتقد انه "يناور" وينتظر "ضمانات" للفوز وانه سيصدر في اللحظة الأخيرة هذا البيان: "حرصاً على المصلحة الوطنية وتحت ضغط الرغبة الشعبية قررت ترشيح نفسي" لانتخابات الدورة التشريعية السابعة، خصوصاً انه يستند فعلاً الى "قاعدة شعبية واسعة" من جهة ويمثل نقطة تقاطع بين رجال الأعمال المطالبين بالانفتاح وبين الدمشقيين الباحثين عن "دور" في البلاد. ربما استندت هذه التوقعات الى العادة التي جرت الامور عليها في السنوات الاخيرة، وهي: لا شخص دخل البرلمان وخرج بقراره المستقل، بل هو إما "قرر الانسحاب" لأسباب مجهولة وإما "طُلب منه الانسحاب" التزاماً بقرار حزبي، او اخرج بفعل "قرار المقترعين" عدم منحه أصواتهم. لذلك فإن أصحاب هذه التوقعات لم يتأكدوا من ان الدكتور احسان سنقر لم يرشح نفسه الاّ في الساعة الثانية بعد ظهر الاربعاء عندما أغلق باب الترشيح، مع ان القرار اتخذه مبكراً، تحديداً في 14 نيسان ابريل العام الماضي عندما قدم مداخلته حول بيان موازنة الحكومة قائلاً: "بعد اطلاعي على البيان ومقارنته ببياني 1995 و1996 لم أجد فرقاً يذكر يستوجب تقديم مداخلة جديدة". وعلى عكس عادته في الحديث العلني عن "رؤية اقتصادية" و"طموحات"، انكفأ سنقر وتوقف عن الإدلاء بأحاديث الى وسائل الاعلام. وبذلك كان النائب الوحيد في الدورتين الخامسة والسادسة الذي لم يختر ترشيح نفسه، فيما عاد نواب سابقون الى "حلبة المنافسة" مدعومين بپ"ضمانات الفوز" بعدما "استراحوا" بين عامي 1994 و1998. ويتفق الدكتور احسان 44 سنة مع غيره من المتنافسين في العاصمة على انهم: دمشقيون، رجال اعمال، يقومون بنشاط اجتماعي نخبوي، يرتبطون بجمعيات خيرية ناشطة في اوساط الفقراء، ويستندون الى عائلة دمشقية اقتصادية يملكون مصانع ووكالات عدد من السيارات بينها مرسيدس وبورش. لكن يختلف عنهم بكونه يحمل "رؤية اقتصادية" و"مشروعاً واضحاً" دافع عنهما بين عامي 1990 و1998، يقومان على اساس: انفتاح اقتصادي، دور كبير للقطاع الخاص، تحقيق التكافل الاجتماعي، وازالة العقبات الاساسية للاستثمار، خصوصاً الغاء قوانين معيقة أو تعديلها، مثل القانون الرقم 24 وقانون العلاقات الزراعية وقانون الايجار، إضافة الى فتح سوق لتداول الاسهم ل "ادخال الجميع في العملية الاستثمارية". لذلك فهو "يفتخر" كثيراً بأنه كان "اول من تحدث عن الانكماش الاقتصادي" وان "التسهيلات الواردة في قانون الاستثمار الرقم 10 مع بقاء القيود الواردة في تلك القوانين المعيقة ستفيد شريحة معينة دون سواها من شرائح المجتمع، بل ستزيد الصعوبات في وجه الاستثمار الوطني المقيد اصلاً ... وستؤدي الى خلل استثماري". على هذه الخلفية يجد سنقر "فرقاً كبيراً" بين الدورتين الخامسة والسادسة. ويرى ان الاولى كان "اغنى واهم" اذ شهدت صدور تشريعات انفتاحية مثل قانوني الاستثمار وتعديل الشرائح الضريبية، مع انه يدرك فعلاً ان القوانين التي صدرت اُقرت لأن الدولة تريد اصدارها وليس بسبب دور النواب لأن "دورنا كان فقط في تهيئة المناخ العام للتعديل او الاصدار"، لافتاً الى ان هناك "عدداً من مشاريع القوانين التي اجمعنا علىها، لكن ذلك لم يحصل لأن الحكومة لا تريد ذلك". لكن سنقر كان "مقتنعاً" بذاك الدور "الاخراجي" لانه تعلق ب "قضايا كبيرة" وحاول اكثر من مرة ملامسة مسائل اهم تتعلق ب "دور السلطة التشريعية في اطار رؤية الرئيس حافظ الأسد". إلا ان "المشكلة الاساسية" التي غيّرت رأيه هي "حتى هذا الدور تراجع". وقال عن بداية التسعينات: "كنا متحمسين ونتناقش مع زوارنا في المكتب في مسائل اقتصادية كبيرة تتعلق بالتشريعات والقوانين ونقدم مقترحات وتعديلات... ولكن بعد سنوات صار زوارنا يقصدوننا لخدمات فردية وليست عامة، لأن دورنا انكمش في عيونهم، ودورنا صار اكثر تبعثراً" بمرور السنوات بحيث لم يستطع صوغ "عمل تنظيمي" معين بين النواب المستقلين الذي يحملون "الهمّ نفسه وتحقيق حلول عادلة استناداً الى قول الأسد: ما لم تكن هناك حلول عادلة تقنع الجماهير، فلن تدوم هذه الحلول".