المعاقون هم فرسان الارادة الذين يسعون الى قهر عجزهم وتعويض نقصهم بجهد يحسدهم عليه الاصحاء مكتملو الحواس. وليست الاعاقة وحدها هي العقبة الوحيدة التي يجب ان يتخطاها "المعاق"، بل الاخطر رؤية المجتمع اليه اذ يعتبره هامشياً وعليه ان يثبت عكس ذلك بارادة حديدية. وهذا ليس مستغرباً، ففي العصور البدائية كان ينظر الى المعاقين على ان ارواح الشياطين تسكنهم. وفي اسبرطة كان اليونانيون يحرقون المعاقين للتخلص من أرواحهم الشريرة. وجاءت الاديان السماوية لتؤسس رؤية انسانية عمادها الرحمة فأعادت للمعاقين اعتبارهم. ودأبت المجتمعات الشرقية على قولبة كل طائفة في المجتمع بقالب محدد السمات. وهذا أبعد ما يكون عن الصواب، لأن المظاهر الشكلية التي تبدو على المكفوفين على سبيل المثال، انما هي مردود طبيعي لشأنه وبيئته وحالته الخاصة، فمنهم الاذكياء والاغبياء والقادرون والعجزة وخفيفو الظل والثقلاء والخاملون والمتشردون. والمكفوفون في مصر مجتمع متنوع، فمنهم الحرفيون،وحملة الشهادات المتوسطة والحاصلون على الشهادات العليا واساتذة الجامعات. لكننا لا نستطيع ان نقدر عددهم بالضبط، وإن كان الخبراء يميلون الى انهم يزيدون على مئة الف كفيف. ولهؤلاء جمعيات تتولى رعايتهم، منها جمعية دار الكتاب الناطق التي تتخذ من كلية الشريعة في جامعة الازهر مقراً لها، وهي لا تقوم بأي نشاط اجتماعي، بل تنحصر جهودها في الانشطة التعليمية، وتمتلك مكتبة سمعية تحتوي أكثر من ستة آلاف شريط كاسيت. والجمعية تخدم كل الطوائف في مقابل مبالغ رمزية، فعلى الكفيف ان يدفع 10 جنيهات مصرية سنوياً في مقابل نسخ أي شريط يطلبه، اما اذا اراد نسخ شريط من اشرطة المراجع فإنه يدفع نصف جنيه مصري فقط. فإذا وضعنا في الاعتبار ان الجمعية تدفع جنيها ونصف الجنيه عن الشريط الواحد لادركنا حجم ما تعانيه. لكنها - شأن كل مؤسسة - تعاني داخلياً من الصراع بين الممارسات والقيم، وعلاقتها بالازهر مضطربة، فالمسؤلوون يكررون في مناسبات عدة ان الازهر يستحوذ على تبرعات كان من المفترض ان تصل اليها. اما جمعية شمس البر التي يترأسها الدكتور مرقص دانيال فتكتفي بتعليم المكفوفين الصناعات اليدوية. ويعلّم المركز النموذجي لرعاية وتوجيه المكفوفين الاعمال اليدوية ايضاً، وهو يملك معرضاً ضخماً للاثاث الذي يصنعه المكفوفون. ومن اشهر الجمعيات جمعية المكفوفين العرب التي يترأسها عبدالحليم صيام، ونشاطاتها قائمة على توفير عدد من موظفي الخدمة العامة ليقرأوا للمكفوفين. ومهمة جمعية النور والامل هي تربية الفتيات الكفيفات، وفيها قسم داخلي. وتعمل في خطين متوازيين: أحدهما يتبنى الكفيفة المتعلمة الى ان تتخرج في الجامعة، والثاني يتبنى الكفيفة غير المتعلمة لتعليمها صنعة تتكسب منها. وللجمعية فرقة موسيقية سبق لها ان اذهلت العالم الغربي بما قدمته في حفلات اوروبا، وهي تتمتع بسمعة طيبة بين الكفيفات اللاتي يترددن عليها. وهناك جمعية كفيف المستقبل، وهي جمعية فقيرة تمتلك كشكا تنفق منه على امورها. ولها مكتبة سمعية متواضعة، واعضاء مجلس ادارتها نشطون في خدمة المكفوفين. وتتميز جمعية اصدقاء الكفيف بتعدد نشاطاتها، وقد تأسست في اوائل الثمانينات على يد الدكتور زكريا فهيم الحاصل على الدكتوراه في علم النفس من جامعة السوربون. ومن ابرز انشطتها دار حضانة الاطفال المكفوفين، وهي تقوم في الوقت نفسه بدور الوسيط بين المحسنين الاغنياء والمكفوفين المعدمين لتوصيل النقود او الملابس القديمة او قطع الاثاث او اشرطة الكاسيت. وكذلك تقدم خدمات صحية واجتماعية لرعاية المكفوفين.