نجح "مجلس التنسيق الاريتري للاغاثة والتنمية" وهو منظمة اريترية مسجلة في السويد بجذب اهتمام قطاع كبير من الرأي العام والجهات الانسانية والسياسية في دول شمال اوروبا ووسطها خلال فترة وجيزة من انشائه، اذ جمعت كميات كبيرة من المساعدات المتنوعة من السويد والدانمرك والمانيا وقامت بايصالها في 14 حاوية في شهر آب اغسطس الماضي الى اللاجئين الاريتريين في شرق السودان. واهم من ذلك ان المجلس نجح في تسليط الاضواء مجدداً على مأساة حوالى مليون لاجئ اريتري مضى على اكثريتهم 31 سنة في السودان، وتمنعهم حكومة اسمرا من حق الرجوع الى وطنهم. وتعرضت هذه المأساة للتعتيم او التجاهل خلال السنوات التي اعقبت استقلال اريتريا عام 1993 ويوضح رئيس المجلس ادريس بادمي ذلك بقوله لپ"الحياة" ان المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للامم المتحدة كانت تقدم لهؤلاء اللاجئين نحو 109 ملايين دولار سنوياً. ثم اوقفتها فجأة عام 1993 وقلصتها الى خمسة ملايين فقط منذ العام 1996، وستتوقف نهائياً عن اداء اي دور في هذه المشكلة قريباً. وهي تذرعت منذ خمس سنوات بأن المشكلة انتهت باستقلال اريتريا وبامكان اللاجئين العودة اليها، من دون ان تتخذ موقفاً حيال رفض حكومة اسمرا اعادتهم. ويضيف بادمي: تبع المفوضية العليا في الانسحاب جميع المنظمات الانسانية الغربية المتطوعة لمساعدة هؤلاء اللاجئين وكانت تقوم بقسط مهم من الاعباء طوال نصف قرن وتركتهم لمصيرهم المحتوم. اذ انها تعلم ان الحكومة الاريترية ابلغت المفوضية العليا رسمياً انها لن تستطيع السماح بعودة مواطنيها من السودان فوراً وانها ستنتظر تهيئة الظروف الاقتصادية المناسبة لمثل هذا القرار. ويؤكد رئيس المجلس ان الدوائر الرسمية في الاممالمتحدة وفي الدول الغربية والمعنية بالمشكلة تعلم ان الاسباب الحقيقية لموقف اسمرا غير المسبوق هي كون غالبية هؤلاء اللاجئين من المسلمين والاصول العربية من شأن عودتهم التأثير سلباً على خطط الحكومة في تغيير التركيب السكاني ونزع الهوية العربية عن الدولة. ويروي رئيس المجلس نقلاً عن بعض هؤلاء اللاجئين انهم حاولوا العودة الى بلادهم بعد استقلالها من دون انتظار خطط الحكومة وتدابير المنظمات الدولية، الا انهم اضطروا للفرار ثانية نحو السودان تحت ضغط العوامل نفسها التي اجبرتهم على الفرار للمرة الاولى عام 1967 او بعد ذلك. فالتخريب الذي احدثته حرب التحرير والقوات الاثيوبية، كحرق القرى والمزارع وتدمير المنشآت والطرق جعل العودة والاقامة في الاماكن نفسها مستحيلاً. اضافة الى ان الحرب نفسها ما تزال مشتعلة في المنطقة بسبب الصراع الاريتري - السوداني، حين منحت الحكومة تلك المناطق القريبة من الحدود لقوات المعارضة السودانية لتشن منها عملياتها الحربية. الى جانب الاشتباكات المباشرة بين القوات الاريترية والسودانية على طول الحدود منذ اربعة اعوام والتي حولت المنطقة جحيماً حقيقياً. ومن ناحية اخرى يصف مدير عام المنظمة محمود عثمان شيخ عمر الذي زار مواقع تجمع اللاجئين الاريتريين لايصال المساعدات في الشهر الماضي ظروف البؤس والعوز التي يعيشون فيها منذ ست سنوات فيقول: ان المئات يموتون جوعاً ومرضاً، والعشرات يقضون من جراء لدغات الافاعي والعقارب وعدم وجود اي امصال معتادة او وسائط نقل او ادوية لمعالجة المرض وخصوصاً الاطفال. ويعيش الجميع حياة بدائية بلا مأوى ولا مسكن ولا حتى خيام، سوى ما يشبه الاقفاص اقامها بعضهم من العيدان والقش ينامون تحتها لا ترد برداً ولا تدفع حراً ولا تقي من الحشرات السامة او غيرها. وقال انه سمع ورأى من صور المعاناة والجوع ما يجرح كرامة الانسان عموماً. حتى المدرسة لا يوجد فيها لأي سبورة او مقاعد او حتى لوازم القراءة والكتابة فالاطفال يكتبون على التراب. وعن المساعدات التي وفرها المجلس الى هؤلاء اللاجئين يقول انها عبارة عن امصال وادوات طبية قدمتها بشكل رئيسي لنا منظمة اريكس يلبن السويدية ومنظمة وايت ستار الدانمركية واحتوت ايضاً على مواد غذائية وملابس وآلات حرث وخياطة. ويوضح المسؤولان انه بعد دراسة مشكلة اللاجئين الاريتريين توصل المجلس الى ان الاقتصار على توفير المساعدات الغذائية والطبية لن يسهم في حل المشكلة، لذلك ادخلنا مفهوم التنمية الى نطاق النشاط الاغاثي وهو ما يحدث للمرة الاولى في هذا المجال. ووضعنا في اولوياتنا تحويل اللاجئين الى منتجين وفلاحين وعمال لتوفير الاشياء التي يحتاجون اليها بالاعتماد على انفسهم خصوصاً وان المناطق التي يوجدون فيها صالحة للزراعة، ولا تعارض الحكومة السودانية ذلك. وذكرا ان دولاً اخرى، مثل فنلندا، وعدت بتقديم جرارات زراعية وآلات مختلفة لكننا عجزنا عن استلامها وايصالها لعدم توافر الاموال الكافية لشحنها الى هناك. اما عن الجانب السياسي للقضية فيؤكد المسؤولان تحقيق نتائج مهمة على رغم قصر المدة منذ تأسيس المجلس في آذار مارس 1997، اذ ان جهات ومؤسسات حكومية وحزبية عديدة في دول الشمال الاوروبي اعربت عن تعاطفها وتضامنها مع قضية اللاجئين وشاركونا انتقاد اسلوب عمل المفوضية العليا لشؤون اللاجئين وتخليها عن التزاماتها تجاهها. ووعدت هذه الجهات بالتحرك على الصعيد الدولي والاوروبي للضغط على حكومة اسمرا لتمكينهم من الرجوع الى وطنهم وتهيئة الظروف الطبيعية لاستقبالهم. واوضح المسؤولان ان النجاح في اقناع هذه الجهات تم بسبب وجود خبرة مسبقة لدى حكومات دولها بطبيعة الوضع السياسي في اريتريا بعد الاستقلال ولا سيما سياسة الحكومة هناك الرامية الى منع او عرقلة عودة اللاجئين والمهاجرين من الخارج خصوصاً اذا كانوا من المسلمين. وسبق للحكومة السويدية مثلاً ان شجبت عام 1994 امتناع اسمرا عن السماح لعدة مئات من اللاجئين الموقتين لديها بالعودة الى بلادهم الا بعد ان دفعت السويد مبلغاً من المال عن كل اريتري عائد الى حكومته كي تستقبله بحجة تأمين فرص عمل لهم. واوضحا ان المجلس تنظيم مركزي مقره استوكهولم الا ان عدداً من الجمعيات الفرعية في بلدان اوروبا ينضوي تحته، وهو يقوم بالتنسيق بينها لمعالجة مشاكل اللاجئين الاريتريين بعدما تخلت الاممالمتحدة عنهم ولم يعد المبلغ الذي يخصص لهم يكفي سوى للانفاق على موظفي المفوضية العليا نفسها وحسب.