سبحان الذي يغير ولا يتغير. كنا، معشر الصحافيين، عندما ندعى الى مؤتمر صحافي تنظمه شركة انتل، نسمع كلاماً تقنياً عن احدث معالجاتها وسرعتها ودقة حفرها. وكنا قبل الذهاب الى المؤتمر نتزود بكل المعلومات التقنية التي تكوّن معالج الكومبيوتر لنفهم ماذا يتحدث عنه مهندسو الشركة. الا ان الازمنة تتغير واذا قدر لنا معايشتها نرى العجب اذ دعينا اخيراً الى مؤتمر صحافي نظمته انتل في وارسو في بولندا لمنطقة اوروبا الشرقية والشرق الاوسط. وكالعادة قمت بمطالعة كل ما نشرته الشركة وما لم تنشره حول احدث معالجاتها وتلك التي لا تزال تنتظر في المختبرات، لا سيما ان موضوع المؤتمر لم يكن واضحاً في الدعوة. وتعمقت في اسماء المعالجات الحركية من "كاتماي" الى "مرسيد" مروراً ب"كوبرماين" و"تانر" و"كاسكاد" وبدقة حفرها التي انخفضت من 25،0 ميكرون جزء من الف من المليمتر الى 18،0 ميكرون وبالتعليمات الجديدة التي تزودت بها هذه المعالجات لمعالجة كل ما يتعلق بالابعاد الثلاثة وغيرها من التطبيقات التي تحتاج الى كميات هائلة من الحسابات. وكم كانت دهشتي قوية حين اكتشفت انه لا يوجد مهندس واحد من انتل في المؤتمر بل مسوقون لا يفقهون من كل ما تعلمته عن المعالجات شيئاً. وعندما بدأ المؤتمر وصعدت جامي دوفر، نائبة رئيس الشركة للمبيعات والتسويق العالمي، الى المنصة، ظهرت على الشاشة رموز كوكاكولا وماكدونالد ونايكي التي لا تمت لمعالجات الكومبيوتر بصلة. وكان موضوع المحاضرة كيفية تسويق معالجات انتل كسلعة استهلاكية بين الجمهور العريض. ولا شك ان الذين يتعاملون مع الكومبيوتر منذ زمن يذكرون ان انتل ظلت سنوات طويلة تتمتع باحتكار شبه مطلق لسوق معالجات الكومبيوترات الشخصية. ولا شك انهم لاحظوا في بداية التسعينات ظهور شعار جديد اطلقته الشركة هو "انتل في الداخل" Intel Inside ترافق مع حملات اعلانية لم نعتد عليها. والسبب في ذلك ظهور منافسة جدية من قبل مصنعي معالجات للكومبيوتر الشخصي مثل ايه.ام.دي. وسايركس. واكتفت انتل بهذه الحملة لأنها ظلت متقدمة على منافسيها بفضل قدرتها على تطوير معالجات اسرع من تلك التي ينتجها المنافسون. الا ان ما لم يكن في الحسبان حصل. وبدأ الناس يشترون اجهزة مزودة بمعالجات ليست بالضرورة اسرع ما يتوافر في السوق، وكان الحافز الوحيد هو السعر. ولاقت الاجهزة الرخيصة نجاحاً لم تكن انتل تتوقعه اذ بلغت حصة هذه الاجهزة الرخيصة حوالي 40 $ من السوق. وايقنت الشركة العملاقة انها اذا ظلت تركز على المعالجات القوية والسريعة ستخسر حصة مهمة من السوق لذا وجدت نفسها مضطرة ان تعود وتنافس المصنعين الآخرين في ميدانهم، اي في سوق المعالجات المتوسطة والخفيفة. ويتألف الذين يشترون هذا النوع من الاجهزة اساساً من جمهور المستخدمين المنزليين والافراد اي بمعنى آخر مستهلكي كوكاكولا وماكدونالد. ويبدو حسب العديد من موظفي انتل ان الوضع اصبح خطراً. واضطرت الشركة اخيراً الى اعادة النظر في مشاريعها - اي خطة تصنيعها - اكثر من مرة. وكانت النتيجة انه نظراً الى جمود الشركات التجارية المستهلكة للمعالجات القوية، بدأت "باخرة انتل" كما يسميها مسؤولوها بالتحرك في مناورة جديدة نتج عنها في الربيع الماضي معالج سيليرون وهو بنتيوم مخفف يوازي في ادائه معالجات ايه.ام.دي. وسايركس. ولكن هذه الخطوة لم ترفع الخطر عن انتل اذ ان هذا المعالج لم يكن مزوداً بذاكرة مخبأة كاش على عكس منافسيه فضلاً عن ان سعره كان لا يزال مرتفعاً نسبياً بسبب كلفة المنفذ الذي يثبت فيه وهو المنفذ 1 slot 1 نفسه المستخدم لمعالجات بنتيوم. وبقيت المعالجات المنافسة مسيطرة على سوق اجهزة الجمهور. لذا قررت انتل، بدءاً من مطلع عام 1999، تزويد سيليرون بذاكرة مخبأة واعتماد منفذ جديد له تطلق عليه حالياً اسم المنفذ 370 نسبة لعدد الابر التي يدعمها لأنها لا يمكن ان تعود الى المنفذ 7 القديم الذي تستخدمه حالياً معالجات ايه.ام.دي. وسايركس. وتعرف انتل ان هذه الخطوات ليست كافية لتتمكن من تثبيت قدميها في سوق الاجهزة الخفيفة. لذلك قررت تغيير صورتها لدى مشتري هذه الاجهزة المحتملين والذين لا يهمهم عدد الابر التي يدعمها منفذ المعالج بقدر ما يهمهم سعر الجهاز والذين يتميزون بقابلية استهلاك كبيرة لقنتهم اياها الحملات الاعلانية المختلفة والمكثفة مثل تلك التي تدفع الشخص الى دخول ماك دونالد مع انه يكره هذا النوع من "الاكل". والحال ان المؤتمر الذي نظمته انتل في وارسو تمحور كلياً حول اعتماد هذا الوجه الجديد ومخاطبة الجمهور العريض مباشرة مثلما تفعل الشركات الاستهلاكية العادية. وكان هذا الوجه ظهر منذ مدة حين بدأنا نشاهد اعلانات تلفزيونية للشركة تبتعد كل البعد عن النواحي التقنية الجافة التي تميز صناعتها مثل المهندسين الذين يلبسون بدلات واقية بألوان زاهية ويجمعون المعالجات وهم يرقصون على انغام موسيقى الروك. وفي هذا المجال فقد صرحت جامي دوفر ان الهدف تغيير صورة الشركة فمن شركة تصنيع الشرائح الالكترونية في السبعينات، تحولت انتل الى شركة اجهزة كومبيوتر واتصالات في الثمانينات ثم الى شركة تجارة وترفيه في التسعينات. ومن مقومات هذا التحول، انشاء انتل لما يعرف بصندوق تطوير السوق Market Development Fund لدعم الحملات الاعلانية التي ينظمها مصنعو اجهزة الكومبيوتر. ويعتمد هذا الصندوق على توقيع رخصة من قبل المصنع تتيح له لصق شعار "انتل في الداخل" على اجهزته والحصول على 60 $ من كلفة اعلاناته من انتل. وعلى رغم رفض جامي دوفر الاجابة على سؤال حول مجمل انفاق انتل على الحملات الاعلانية، كشفت ان قيمة الاعلانات التي تحمل شعار "انتل في الداخل" بلغت 4،3 بليون دولار منذ ظهور هذا الشعار في عام 1991. وامام استنتاج "الحياة" بأن 60 $ من هذا المبلغ قد يكون من انتل، اكتفت بالابتسام. وبما ان المؤتمر انحصر في منطقتي اوروبا الشرقية والشرق الاوسط، فمن المنتظر ان يشهد سكان المنطقتين تكثيفاً لهذا النوع من الحملات الاعلانية التي تشبه معالج انتل بفرّوج كانتاكي المقلي.