تشهد باريس في 27 و28 و29 تشرين الاول اكتوبر الجاري حدثا مهما في عالم المزادات، اذ يعرض مكتبا "ماتياس" و"بياسا" التابعان لمؤسسة "دروو" في "بيت الكيمياء" مجموعة فريدة كانت ملك دورا مار، الفنانة الارجنتينية الأصل التي عشقها بابلو بيكاسو بين 1936 و1943 ورسمها في أعداد لا تحصى من اللوحات. وهذه المجموعة "الخاصة" جدا تخرج عن المقاييس العادية إذ تضمّ عشر لوحات، سبع منها يمثّل دوراً، ونحو أربعين رسمة وكتب ملوّنة بريشة بيكاسو، وأدوات متنوّعة حفر عليها أشكالا غريبة، ومئات "التماثيل" المصنوعة من الورق، والحلى التي لوّنها الفنّان خصيصاً لمحبوبته، إضافة الى الصور الفوتوغرافية. وقُدّرت المجموعة الكاملة، بحذر، بين 120 و150 مليون فرنك فرنسي، لكن الأسعار ستشتعل، دون شك، لأن القطع المعروضة تعبّر عن حبّ بيكاسو الكبير لدورا. يقول الخبير مارك بلوندو: "انها ربّما المرّة الاخيرة يُقدّم فيها مزاد بهذه الأهمية عن بيكاسو، كامل وثاقب يحمل قيمة عاطفية وشعورية في مضمونه تتجاوز النوعية الجوهرية للأعمال المعروضة". كان بيكاسو التقى دورا مار في أواخر العام 1935 عندما كان زواجه من اولغا، راقصة الباليه الروسية، يصل الى نهايته وفي وقت كانت علاقته العاطفية مع ماري-تيريز تسمّم حياته. فعندما عرّفه الشاعر بول ايلوار في مقهى "لي دو ماغو" في سان جرمان-دي-بري على تلك المرأة السمراء الجميلة ذات العيون المتقّدة، المصوّرة الفوتوغرافية والفنانة التي كانت تعاشر أوساط السورياليين، لم يستطع مقاومة جاذبيتها. وأصبحت دورا موديل بيكاسو الوحيد لمدة ثماني سنوات إذ كان مهووساً بها، لكنها كانت أيضا حبّه الأكثر عذاباً والأكثر سوداوية لأن دورا، على عكس باقي زوجاته وعشيقاته وصل عددهن الى سبع مع دورا كانت امرأة "ميّالة الى العواصف وانفجارات الغضب" كما كان يصفها المصوّر الفوتوغرافي براسّاي. كانت يسارية، ومعها انجرف بيكاسو في العمل السياسي ضدّ الهجوم الفاشستي في اسبانيا، ووقّع أوّل إعلان سياسي له عندما قال : "حرب اسبانيا هي معركة الرجعية ضد الشعب، ضد الحرية. كل حياتي الفنيّة لم تكن سوى نضال مستمّر ضد رجعية وموت الفن. في اللوحة التي أعمل عليها والتي سأسميها غيرنيكا، أعبّر بوضوح عن كرهي الشديد للطبقة العسكرية التي أغرقت اسبانيا في محيط من العذاب والموت". وكانت دورا اكتشفت المحترف الكبير في سانت اوغوستان في باريس كي يعمل فيه بيكاسو على "غيرنيكا" الضخمة كما كانت تصوّر بدقة كل مراحل تكوّن اللوحة الشهيرة. استعاد مع دورا قوّته المذهلة في العمل والإبداع، أما هي فأصبحت موضع وحيه وصديقته المقرّبة وشريكته في كل شيء، وأمضت معه سنوات الحرب العالمية الثانية من محترف سانت-اوغوستان، في السرّاء والضرّاء. وكانت أوقات السعادة تتناوب مع ساعات الغيظ والغضب، وحسب هذه الحالات كان يرسم بيكاسو دورا فتظهر إما في خطوط قاسية وأشكال مكسّرة وموجعة، وإما في رسومات تفيض بالحنان والرّقة. علاقة بابلو بيكاسو بدورا كانت من أكثر علاقاته عنفاً وقوة، لكنه بعد تحرير باريس تحرّر منها أيضاً لأنها كانت أصبحت محزنة ومرتبطة بسنوات قاتمة من حياته. فعندما تعرّف على فرانسواز جيلو، الشابة والجميلة، لحق بها وتخلّى عن دورا التي ما لبثت ان انجرّت الى انهيار عصبي، ثم الى حياة عزلة تحافظ على "كنوز" حبّ جنونّي، في منزلها في شارع سافوا في باريس، وذلك حتى وفاتها السنة الماضية، في 17 تموز يوليو 1997.