ان يكسب زعيم عربي دعوى قضائية ضد صحيفة اجنبية فالامر لا يقاس بالربح او الخسارة، لكنه تكريس لمنهجية جديدة في التعاطي والمسألة الاعلامية. وحين اختار الملك الحسن الثاني ان يقاضي "لوموند" بدل ان يواجهها اعلامياً لتفنيد مزاعم "الاهانة والنيل من شخصه" في موضوع يتعلق بموقف السلطات المغربية من محاربة المخدرات، وضع تقليداً جديداً في تحديد المسؤولية وتجنب الاخطاء، أقله البحث عن انصاف تقره العدالة المفترض انها مستقلة عن الجهازين التنفيذي والاشتراعي. فاللجوء الى القضاء في حال مثل هذه يجنب الطرفين المعنيين بالنزاع السياسي او القانوني او الاعلامي أي تصعيد، ويؤكد طابع الاحترام المتبادل في الادوار والالتزامات. فالحلول التي كانت تقضي بمنع الصحف او فرض الرقابة عليها لم تكن مجدية، ليس لأنها تناقض التزام دعم حرية الصحافة والتعبير عن الرأي فحسب، بل كذلك لاأها تعاكس تيار احترام حقوق الانسان واشاعة الحرية في عصر الانفتاح والعولمة وتكسير الحواجز. الحدث في حد ذاته ينطوي على تقدير كبير للصحافة، ويشكل نوعاً من التحدي ازاء اثبات مزاعم أقر القضاء الفرنسي انها غير حقيقية، والمقاضاة هنا لم تكن تتوخى الانصاف فحسب، بل كانت ايضاً تقارب خطوط التماس بين الحرية والمسؤولية، أي صون حرية التعبير والنزوع نحو التدقيق في ممارسة حق الاعلام. والاهم ان ملك المغرب يقدم نموذجاً للتعامل مع الصحافة، لا يسوده الانفعال والغضب وردّ الفعل السلبي. الرأي السائد في الاوساط الغربية حيال مواقف الدول العربية من القضايا التي تطاول احترام حقوق الانسان، واستقلال القضاء، وتوسيع هوامش الممارسات الديموقراطية، كان يستند الى الموقف من حرية الصحافة، وحين تتعرض صحيفة للمنع او صحافي للاضطهاد، فإن ذلك ينتصب مؤشراً الى عدم احترام حقوق الانسان، على رغم ان الملفات المتعلقة بهذا المجال ترتبط بخصوصيات الدول. فالمقاربة الشمولية هنا لا تنسحب، كما في الغرب، على الحريات الدينية والثقافية والسياسية. وما يعتبر انتهاكاً لحقوق الانسان في هذا البلد قد لا يكون بالضرورة متماثلاً مع اوضاع بلد آخر، باستثناء ما يطاول الالتزامات المبدئية المفترض ان تكون محاطة بالضمانات الدستورية والقانونية. بالامكان اعتبار النموذج الذي يقدمه الحسن الثاني في الذهاب الى القضاء لفض منازعات من هذا النوع مسلكاً حضارياً لتجاوز اشكالات تمسّ العلاقة بين السلطة والصحافة، اذ ولّى وقت المواجهة بين الطرفين، لأن عصر الاعلام والانفتاح يوازيه عصر القضاء، وقوة الدول اصبحت تقاس اليوم بفاعلية صحافتها وقضائها، لا من خلال الترسانة العسكرية والتأثير الاقتصادي والكثافة البشرية فحسب، والمثال الذي تقدمه الولاياتالمتحدة من خلال التعاطي مع فضيحة مونيكا لوينسكي ليس بعيداً عن الاذهان، بصرف النظر عن خلفياتها والأبعاد التي اتخذتها.