تشهد القوى السياسية اللبنانية قاطبة، ومعاونو العديد من الزعامات السياسية نقاشاً داخلياً وتقويماً للمرحلة المقبلة حول كيفية التعاطي مع انتخاب العماد اميل لحود رئيساً للجمهورية. وبعض هذه القوى والزعامات كان باشر هذا النقاش قبل انتخاب لحود، بمدة طويلة، تحت عنوان، يدور الحديث عنه ضمناً لا علناً، هو: كيف التكيّف مع المرحلة الجديدة التي ستبدأ بتبوّء الرئيس المنتخب مسؤولياته الدستورية؟ ويقول مصدر سياسي واسع الإطلاع "على رغم ان الاحتفال بمجيء لحود، في الشارع، وغلبة التصريحات المشيدة بمزاياه، والتأييد العارم الذي ناله في المجلس النيابي وعلى الصعيد السياسي، تطغى على الساحة السياسية هذه الأيام، فإنها لا تحجب النقاش الدائر في الوسط السياسي في شأن وسائل التعاطي مع العهد الجديد. فالكل يحسب حساب المرحلة المقبلة والاسلوب الجديد للرئيس المنتخب في قيادة الدولة والإدارة، استناداً الى المزايا التي يتمتع بها". ويضيف المصدر "اذا كان مجرد انتخاب رئيس جديد، ل6 سنوات مقبلة، هو مفصل في حد ذاته وانتقال من عهد الى عهد، كائناً من كان الرئيس، ما يحتم على جميع القوى التهيؤ للتعامل مع شخصية هذا الرئيس والمعادلة السياسية الخارجية والداخلية التي أتت به، فان مجيء لحود يجعل حسابات القوى السياسية اكثر تعقيداً، ايضاً. فالرجل، كعسكري اولاً، وكصاحب "سجل مشرف" كما وصفه بيان الخارجية الأميركية نظراً الى عقلية التزام القوانين والأصول ودور المؤسسات وسمعة الاستقامة ثانياً، خلق مجيئه هيبة للرئاسة، في الوسط السياسي ولدى الرأي العام". ويرى المصدر نفسه "لهذا السبب، الجميع يتهيّب الموقف ويحلو لبعض السياسيين ان يشبه انعكاس ذلك على الإدارة المشكو من فسادها والرشوة والإهدار فيها، مثل انعكاس الخطاب الأخير الذي ألقاه بشير الجميّل بعيد انتخابه رئيساً، وقبل اغتياله ببضعة أيام، انه سيضع الموظف الذي لا يخدم المواطن في البيت، فأخذ الإداريون المتقاعسون يداومون في اليوم التالي في مراكزهم ...الخ". وإذ يورد المصدر هذا المثل فإنه يشير الى أن عدداً من المدراء العامين الذين تدور حولهم علامات الاستفهام، بدأ يمتقع لونه، كلما دارت في الصالونات السياسية في بيروت الأحاديث عن "النهج الجديد" و"المرحلة الجديدة" و"الذهنية المختلفة" التي يمثلها مجيء لحود ... لكن الأمر يتعدى ذلك الى قمة السلطة السياسية". وفي هذا السياق يقول المصدر: "ان تهيب المرحلة فرض سابقاً مراجعة للحسابات من قبل رئيس الحكومة رفيق الحريري حين بدأ يتحدث عن الأخطاء ويمارس نقداً ذاتياً، ولو أن هذا النقد بقي غامضاً في نظر البعض الذي رأى في جانب منه مراجعة لانعكاسات قبوله بأخطاء الآخرين عليه اكثر مما هو مراجعة لأخطاء ارتكبها هو مثل الاخرين، لا بسببهم فقط". واستطراداً يعتبر المصدر ان العلاقة داخل السلطة التنفيذية تفترض في العهد المقبل مثلاً "ألا يقوم رئيس الحكومة بعد الآن بزيارات الى الخارج قبل إعلام وزارة الخارجية بها، كي تتولى هي التحضير لها وفق الأصول، لما ترتبه هذه الزيارات على علاقات لبنان ... والحريري يعترف امام الحلقات الضيقة بأن سوء التنسيق مع الخارجية كان أحد الأخطاء التي يجب تلافيها مع لحود الذي يحرص على القواعد والأصول". وثمة امثلة اخرى قد يكون عليه مراجعة اسلوبه في التعاطي في شأنها". ويتابع المصدر "اما بالنسبة الى العلاقة بين الرئاسة الاولى والسلطة الاشتراعية فان توقع اصرار لحود على التزام نصوص الدستور يفترض مراجعة من قبل رئىس المجلس النيابي نبيه بري لأسلوب المقايضة الذي كان سائداً في السابق بينه وبين الحريري ورئىس الجمهورية الياس الهراوي في تمرير القوانين، مقابل مطالب له في التعيينات.، او في الاصرار على دخول الادارة بتقديم مقياس الولاء على الكفاءة وصولاً الى استفادته من صلاحياته الواسعة من اجل استمالة المجلس النيابي الى جانبه في مواجهاته مع الرئاستين الاولى والثانية". ويسأل المصدر السياسي "هل ان الرئىس بري سيتكيّف مع ما يقتضيه فصل السلطات وفق مفهوم لحود للنصوص من جهة، ومع ما يرتبه حصول لحود على 118 صوتاً من اصل 128 هم اعضاء المجلس النيابي بحيث بات عدد لا بأس به من النواب ينظر اليه كمرجعية ايضاً؟". لكن المصدر السياسي نفسه يسأل ايضاً "اذا كانت صورة لحود، خصوصاً على صعيد الادارة وإصلاحها ووقف المحاصصة تفرض تكيفاً مع الآخرين، فكيف سيتكيّف لحود نفسه مع منصبه الجديد بالمقارنة مع منصبه السابق في قيادة الجيش بما يفرضه من تحالفات وخصومات وعلاقات؟ فرئىس الجمهورية لا يقتصر دوره على ترجمة سمعته الطيبة بل هو المسؤول الاول عن ادارة اللعبة السياسية المعقدة في البلاد بين الطوائف والمذاهب والأحزاب والنفوذ السوري". في انتظار الإجابة عن السؤال، يحتفظ كل من الأفرقاء، وهم يستعدون للتكيّف عبر إطلاق "إعلان النيات"، بأوراقه الفعلية مخفية، بمن فيهم الرئىس الجديد الذي يستفيد من صفة "الصامت الأكبر" التي يتمتع بها العسكريون.