في العامين الماضيين ناقشت بريطانيا "فن القمامة": جواز التعاطي بجد، لا بل بتثمين، مع قص بقرة نصفين ووضعها في سائل كيماوي، او رسم لوحة من بصمات اطفال مقتولين. النقاش هذا انتقل الى فرنسا المسكونة راهناً بنقاش ثقافتها. لكن الأدب، لا الفن، هو الموضوع المثار هناك. ففي 3 تشرين الأول أكتوبر الجاري نشرت "لوموند" مقالة امتدحت بعض الكتّاب الجدد معتبرةً أنهم يخرجون الثقافة الفرنسية من تراجعها ويمثلون حساسيةً وميلاً جديدين، فيما يقودون الأفكار والتعابير الى المستقبلية. بين هؤلاء الجدد داريوسيك، صاحبة الكتاب الفرنسي الذي بلغ بيع حقوقه الى دور نشر عالمية ما لم يبلغه اي كتاب فرنسي قبلاً، علماً بأنه يتحدث عن امرأة تتحول خنزيراً. ولأن الأمر مُشكَل، ولأن هذا الأدب، بحسب كثيرين، عدمي، مَوْتيّ وقمامي، وعلى جرعة من كتابية ما بعد حداثية، انهالت على "لوموند" مقالات ترد وتعقّب. في غضون ذلك نشرت الصحف اليمينية المتطرفة مقابلات معهم، لا سيما مع أولبيك الذي أبدى ما أبداه رفاقه الآخرون من آراء بالغة في تزمّتها ورجعيتها: تأييد مواقف البابا الاجتماعية، تشكيك ب"نقاء الدم" الفرنسي لدى فريق كرة القدم الوطني، دفاع عن العرقية. انها، اذن، اللوبينية في الحقل الثقافي، كما كتب معترضون دفعوا النقاش الى مكان أبعد: فإذا صح أن سيلين كان فاشياً، الا أنه امتلك لغة وأسلوباً وموضوعاً لم يرق الى مثله هؤلاء الجدد الذين تتولى الصحف ودور النشر اليمينية المتطرفة ترويجهم. واستطراداً، اذا جاز ان المجتمع ينطوي على قمامات، فهل هذا عذرٌ كافٍ لكي تهيمن القمامة على أدبه؟ النقاش الساخن في بلد النقاش، وبلد ابتكار "الجديد" والاحتفال الدائم به، بات يطول مسائل حدود الحرية والصواب السياسي، والتدهور الاجتماعي وكيفية انعكاسه في الادب، والأدبين الرفيع والوضيع، خصوصاً أن هذا الأخير يتحالف الآن مع... أقصى اليمين الذي يدعي الاجلال للتقاليد القومية الكبرى.