من غير المتوقع أن تكون إسرائيل متساهلة مع الرئيس اللبناني العماد إميل لحود الذي ينتخب اليوم. وإذا لم تعلق الدولة العبرية مباشرة على هذا الانتخاب حتى الآن فلانشغالها بقمة واشنطن والمسار الفلسطيني في هذه الأيام، ولأن الرئيس المنتخب أمامه أكثر من شهر لتسلم مهمات منصبه رسمياً. لكن لم يفت بعض المعلقين الإسرائيليين ان لحود عمد، بصفته قائداً للجيش، إلى تضمين "أمر اليوم" إلى العسكريين وفي أكثر من مناسبة، موقفاً مناهضاً للسياسة الإسرائيلية في لبنان وجنوبه. كما لم يفتهم ربط هذا الموقف بالسياسة السورية. ويعني ذلك ان الدولة العبرية لن تراهن على تغيير تلقائي في موقف رأس السلطة اللبنانية من احتلال الجنوب وكيفية انهائه، لا بل ستتحرك السلطة الجديدة، مثل السابقة إن لم يكن أكثر، برفض كل الأفكار الإسرائيلية من "لبنان أولاً" إلى "جزين أولاً" إلى التنفيذ المشروط للقرار الدولي الرقم 425. وقد ينعكس عدم التساهل الإسرائيلي مع السلطة اللبنانية الجديدة أشكالاً شتى من الضغط العسكري والسياسي الذي سيكون هذه المرة مستمداً من الأفكار التي روّج لها وزير الخارجية الإسرائيلي الجديد ارييل شارون. يستند لبنان في مواجهة الضغط الإسرائيلي إلى الاجماع الواسع على الموقف السياسي من الاحتلال. وهذا يشكل، إضافة إلى كونه عنصر وفاق وطني، قوة أساسية في مواجهة الاحتلال. كما يستند إلى الاجماع ذاته على مقاومة الاحتلال، هذه المقاومة التي كان تعامل القيادة العسكرية معها، في ظل لحود، ليس عنصر انهاك لجنود الاحتلال فحسب، وإنما أيضاً عنصر تماسك للجيش اللبناني الذي استطاع ان يتجاوز انقساماته التي عرفها خلال الحرب الأهلية. كل المؤشرات تدعو إلى الاعتقاد ان الرئيس اللبناني المنتخب سيستمر في هذا الاتجاه. لكن أيكفي الاستمرار في هذه السياسة المعتمدة منذ عقد من الزمن تقريباً لرفع المعاناة عن الجنوبيين وأهالي البقاع الغربي الذين يعيشون تحت هذا الاحتلال؟ في ظل المعطيات الراهنة، لا يبدو ان ثمة بديلاً لهذه السياسة. لكن هذه السياسة لا تمنع من اطلاق مبادرة كبيرة داخلية، تتجه أساساً إلى اللبنانيين في ظل الاحتلال، فتعيد ربط ما تفكك من علاقتهم بالدولة وبمؤسساتها، وتعيد الثقة إلى الصامدين منهم في وجه الاحتلال، وتعزل المتعاملين معه. يتزامن الانشغال الإسرائيلي بالمسار الفلسطيني مع فترة السماح الداخلية مع العهد الجديد الذي ينطلق قوياً بشبه الاجماع النيابي، لكن هذا الاجماع يتضمن في الوقت نفسه خطر اضعاف المعارضة النيابية، وتحول الحياة السياسية إلى لون واحد. ويهدد مثل هذا التحول بتشويه الحياة الديموقراطية، ربما أكثر من العهد السابق. لن تتبلور هذه المعارضة قبل تشكيل الحكومة المقبلة. كما أنها لن تتبلور بأمر رئاسي، لكن البرنامج المقبل للحكم وطريقة تعامله مع الملفات الاجتماعية والهيئات الشعبية والنقابية ترسم إلى حد بعيد المدى الذي تصل إليه المعارضة، القطب الآخر لحياة ديموقراطية وسليمة. وأي مبادرة من الحكم في هذا الاتجاه تجعل من فترة السماح فسحة لتقوية الدولة ومؤسساتها