قالت مصادر نيابية ل «الحياة» إن المواقف التصعيدية للأمين العام ل «حزب الله» الجمعة الماضي جاءت في توقيت سيء للبنان ومحاولات القوى السياسية والسلطة فيه إقناع الجهات الأميركية المعنية في الكونغرس بصرف النظر عن فرض عقوبات جديدة على الحزب، هناك مخاوف من أن تمس بوضع لبنان المصرفي. وتعتبر المصادر أن تهديد نصر الله «بفتح الأجواء لمئات الآلاف من المقاتلين من العراق واليمن وإيران وأفغانستان وباكستان إذا شنت إسرائيل حرباً على سورية أو لبنان»، وفق ما قال في خطابه في يوم القدس، يقحم لبنان مرة أخرى في الحرب الدائرة في سورية التي اتفق أهل الحكم على النأي بالنفس عنها. وأضاف المصدر النيابي أن المتابع للتطورات في سورية يكتشف أن كلام نصر الله جاء في سياق الدور الذي يلعبه في سورية والذي يفرض على اللبنانيين أن يتحملوا تبعاته، في وقت يستند الاتجاه الأميركي إلى فرض عقوبات مالية على الحزب ومؤيديه إلى استمرار الحزب في التدخل في سورية وغيرها من الدول تحت العباءة الإيرانية. وسأل المصدر: «ما دخل لبنان بمقتضيات المواجهة التي تخوضها إيران ومعها الحزب وسائر الميليشيات الموالية لها، في جنوب شرقي سورية وفي المنطقة المحاذية لحدود الجولان السوري المحتل، والصراع على النفوذ في هذه المنطقة في سياق محاولات الاتفاق بين الجانبين الروسي والأميركي على توزيع تواجد القوى العسكرية الخارجية في مناطق التهدئة السورية المفترضة، ومنها تلك المنطقة؟ فإسرائيل والولايات المتحدة الأميركية تحرصان على إبعاد إيران عن مناطق التماس السوري- الإسرائيلي، فيما تريد إيران إبقاء موقع قدمها في تلك المناطق، ورقة في يدها، في سياق تقاسم الميدان السوري، وهو الأمر الذي يتسبب على الدوام بضربات إسرائيلية لمواقع التواجد الإيراني و «حزب الله» والقوات السورية الموالية للنظام. وتفيد المعلومات بأن الجانب الإسرائيلي واكب المفاوضات الأميركية- الروسية التي حصلت قبل أسبوعين في الأردن وتناولت المناطق الآمنة في سورية وركزت على تحديد وجود حلفاء أميركا في المنطقة الجنوبية (درعا)، وصولاً إلى معبر التنف على مثلث الحدود السورية -الأردنية- العراقية، وأن إسرائيل اشترطت أن يشمل الاتفاق إبعاد الميليشيات الإيرانية عن الحدود معها مسافة 50 كيلومتراً. وتشير المعلومات نفسها إلى أن «حزب الله» والميليشيات الموالية لإيران تتواجد على بعد 3 كيلومترات من الحدود مع الجولان المحتل في مواقع تابعة للنظام السوري (مدينة البعث)، ومنها تنطلق قنابل تسقط أحياناً في الجولان، وعليها تسقط قذائف إسرائيل حيث مواقع سورية وأخرى تابعة للحزب حيث تجمعات لمقاتلين له ولحلفاء طهران. تجاهل للجهود الرسمية ويقول المصدر النيابي ل «الحياة»، إن كلام نصر الله يتجاهل كل الجهود الرسمية اللبنانية للتخفيف من انعكاسات الأزمة السورية عليه، وتداعيات الخلافات العربية حول سورية على علاقاته العربية ولا سيما الخليجية، لكن الأكثر خطراً هو ذهابه بعيداً في الاستهزاء بسعي الدولة اللبنانية إلى تفادي المزيد من العقوبات الأميركية في ظل أوضاع لبنان الاقتصادية الصعبة التي تحاول الحكومة بشق النفس وضع خطط لمواجهتها من جهة ولحماية البلد عبر المساعدات من جهة أخرى ومنها المساعدات للجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي لأن صيانة الأمن لها كلفة عالية تساهم تلك المساعدات في خفض فاتورتها على المالية العامة. ورأى المصدر النيابي أن أكثر الأسئلة حرجاً التي واجهت الوفد النيابي الذي زار واشنطن الشهر الماضي لاستكشاف مسألة العقوبات على الحزب للتحذير من مسها بالمنظومة المصرفية اللبنانية هو: هل أن المساعدات التي تقدمها واشنطن للجيش منذ 10 سنوات ساعدت في توسيع رقعة سيادة الدولة اللبنانية على أراضيها وهل هذه السيادة هي أكبر حجماً مما كانت عليه قبل السنوات العشر الماضية؟ ويشير المصدر إلى أن الإجابة اللبنانية لم تكن شافية للمسؤولين الأميركيين في الكونغرس، في وقت يتابعون موقف الدول الخليجية المنزعجة من تأثير «حزب الله» على القرار اللبناني. ويلفت المصدر النيابي اللبناني إلى أنه سبق كلام نصر الله زيارة قامت بها مندوبة أميركا في الأممالمتحدة نيكي هايلي المنحازة بقوة للدولة العبرية، إلى إسرائيل، مطلع الشهر الجاري، شملت انتقالها إلى الحدود مع لبنان مع نائب رئيس الأركان الإسرائيلي وضابط كبير من قوات «يونيفيل» حيث طرحت أسئلة على الأخير استناداً إلى ما أبلغه به الإسرائيليون عن استمرار تواجد «حزب الله» على الحدود وزيادته ترسانته العسكرية والصاروخية، ما دفع بها إلى إبداء ملاحظات انتقادية للقوات الدولية. وأوضح المصدر أن سعي إدارة دونالد ترامب إلى خفض المصاريف الخارجية والعسكرية انعكس خفضاً لمساهمتها في تمويل «يونيفيل» قبل أشهر، ما دفع الأخيرة إلى خفض القوة البحرية التابعة لها، وإلى قرار البيت الأبيض بإلغاء مبالغ كانت خصصت للقوات المسلحة اللبنانية، لهذا العام والعام المقبل، وعد مسؤولون أميركيون بتعويض بعضها من موازنة وزارة الدفاع، لمواصلة دعم الجيش في مكافحته الإرهاب وحفظ الحدود الشرقية. وذكر المصدر أن إدارة ترامب أبقت على 19 مليون دولار للتدريب وقيمة أسلحة معينة وعلقت مبلغ 85 مليون دولار. وتابع المصدر: أما في ما يخص السعي اللبناني لمواصلة الجهود لدى الكونغرس الأميركي في شأن العقوبات على الحزب فإن رغبة مسؤولين لبنانيين بزيارة العاصمة الأميركية ومنها زيارة حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، قوبلت ببرودة من السلطات المعنية في واشنطن إذ دعت إلى التمهل في إتمامها. وينتهي المصدر إلى القول إن كلام نصر الله فضلاً عن أنه يضر بالمصالح اللبنانية مع دول الخليج بفعل الهجوم الذي شنه عليها يزيد من توريط لبنان في الحسابات الإيرانية للمعركة التي يخوضها الحزب في سورية من دون أن يكون للبلد أي مصلحة في ما يترتب عليها. والدليل على ارتباط مواقفه بالحسابات في الميدان السوري هو تطمينه مناصري محور المقاومة في لبنان، بأن رئيس أركان الجيش الإسرائيلي تحدث قبل أيام عن «مصلحة إسرائيل في أن يستمر الهدوء على الجبهة اللبنانية لأعوام طويلة إلى الأمام».