يتوقع أن تستمر المفاوضات في مزرعة واي من ثلاثة أيام إلى خمسة، ولن يجد المفاوضون سيف ديمقليس معلقاً فوق رؤوسهم، وإنما ستكون هناك جزرة الوعود الأميركية للطرفين بتقديم مساعدات اقتصادية، وعصا اعلان الفلسطينيين، من طرف واحد، دولتهم المستقلة في الرابع من أيار مايو المقبل، إذا لم تتمخض المفاوضات عن اتفاق. رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتانياهو سيصل إلى واشنطن عن طريق عمّان، بعد أن يقابل هو ووزير خارجيته اريل شارون ولي العهد الأمير الحسن، وفي يده ورقة وحيدة هي ورقة الأمن التي يستطيع أن يلعب بها لفائدته في جميع الأحوال، فإذا لم تقع عمليات مسلحة قال إن موقفه المتشدد هو الذي منع الارهاب، وإذا وقعت عمليات قال إنها تبرر تشدده في طلب الأمن للإسرائيليين. وكان الفلسطينيون قبلوا ورقة الأمن التي أعدها الأميركيون 1997، وتحدد المسؤوليات الأمنية لكل طرف، إلاّ أنهم ربطوا القبول بسير إسرائيل في تنفيذ اتفاقات أوسلو. وردت إسرائيل بربط التقدم بتفكيك البنية التحتية للارهاب وتعديل الميثاق الوطني الفلسطيني وغير ذلك من الطلبات المعروفة أو المكشوفة. من ناحية، المفاوضون الإسرائيليون في أوسلو، وشمعون بيريز نفسه، قالوا إن الميثاق عدّل. ومن ناحية أخرى، تحسّن وضع الأمن بإطراد، وكما تثبت كل الاحصاءات المتوافرة، حتى ان حماس وأنصارها لم يستطيعوا تنظيم عملية تفجير كبيرة واحدة، وإنما اقتصرت العمليات على هجمات فردية واطلاق نار، من نوع ما حصل قبل يومين، وهذه عمليات يستحيل وقفها نهائياً. في النهاية، ذهب نتانياهو إلى الولاياتالمتحدة لأنه قرر أن اتفاقاً على المرحلة الثانية من إعادة الانتشار قد يقنع السلطة الوطنية الفلسطينية بتأخير اعلان الدولة. لذلك أصبح الإسرائيليون مهتمين أكثر من الفلسطينيين أنفسهم بالاتفاق على موعد مفاوضات المرحلة النهائية وتفاصيلها ومدة المفاوضات. وليس سراً ان الجانب الإسرائيلي يتوقع ان يضغط الرئيس كلينتون على الجانب الفلسطيني، لا العكس، ويريد نتانياهو تنازلات من الرئيس عرفات مقابل ما قدم هو من "تنازلات". نتانياهو لم يقدم شيئاً البتة، فالانسحاب من 1،13 في المئة من الأراضي الفلسطينية، حسب الاقتراحات الأميركية، اعتبر "نهاية الارب" مع أنه أقل من قليل، والأرقام الأصلية المطروحة للانسحاب كانت بين 25 في المئة و40 في المئة. وحتى رقم 1،13 في المئة لم يتحقق، فقد أصبح 10 في المئة زاد 1،3 في المئة، وهذه الأخيرة محمية طبيعية المسؤولية الأمنية فيها مشتركة. وسيتم الانسحاب الإسرائيلي، إذا تم، بشكل يؤثر في أقل عدد ممكن من المستوطنين، لذلك فهو سيشمل أراضي قرب جنين وجنوب غربي الخليل حيث توجد عشر مستوطنات صغيرة يقطنها حوالى 500،1 مستوطن. ولولا فكرة المحمية الطبيعية لكان الإسرائيليون اضطروا ان ينسحبوا من أراضٍ في بيت ايل وعوفرا، شمال القدس، وشرق رام الله، حيث يقيم حوالى خمسة آلاف مستوطن، بينهم بعض زعماء الاستيطان من أنصار نتانياهو نفسه. وإذا افترضنا ان المفاوضات في مزرعة واي انتهت بنجاح، فإن وضع المستوطنات والمستوطنين لا بد أن يلقي ظلالاً من الشك على فرص أي اتفاق قادم، لأن أي انسحاب جديد سيصيب المستوطنات بشكل قد لا يستطيع نتانياهو تحمله، لذلك فهو تحدث عن مرحلة ثالثة في حدود واحد في المئة فقط، ما يعني لا مرحلة. في وجه هذه التعقيدات لم يجد الأميركيون ما يقدمون سوى الوعود بمساعدات اقتصادية، فهم سيدفعون لإسرائيل نفقات الانسحاب، كما أنهم سيقدمون إلى الفلسطينيين مساعدات اقتصادية لرفع مستوى عيش المواطنين في أراضي السلطة. ولكن أي مساعدات اقتصادية ستعادل وجود اريل شارون مفاوضاً؟ وزير الخارجية الجديد هو المسؤول عن بناء أكثر المستوطنات، وهو مجرم حرب قديم، يداه ملطختان بدماء المصريين واللبنانيين والفلسطينيين، وهو يعارض الانسحاب دائماً، ويميل إلى الحرب. ولعل فائدته الوحيدة أنه يجعل نتانياهو يبدو مقبولاً بالمقارنة. وأخيراً، كان الأميركيون طلبوا من المفاوضين عدم احضار زوجاتهم معهم، إلا أنهم عادوا فقبلوا أن تأتي ساره نتانياهو مع زوجها إلى مزرعة واي. وخلفية القصة معروفة، فهناك "عقد" بين بيبي وساره ينص على أن ترافقه في كل رحلة خارجية لأنها لا تثق به، بعد ان افتضحت مغامراته النسائية المتكررة. وهكذا فنحن أمام وضع زوجة رئيس وزراء إسرائيل لا تثق به، ولكن المطلوب أن يثق به أبو عمار، وأن يقبل معه بمجرم حرب طريقه إلى وزارة الخارجية الإسرائيلية ملطخة بدماء المدنيين من ضبية إلى صبرا وشاتيلا، وبالعكس