لعل الجو الذي أشاعته وزيرة الخارجية الاميركية في نهاية محادثاتها مع الفلسطينيين والاسرائيليين، قبل اسبوع، تبدد كلياً. فهي أشاعت انطباعاً بأن اتفاقاً سيوقع بعد محادثات "واي بلانتايشن"، من دون ان تنكر استمرار الصعوبات والتعقيدات. لكن هذا الانطباع "الايجابي" ما لبث ان تراجع. وكان كافياً ان يقدم بنيامين نتانياهو على خطوتين اثنتين - تضافان الى سجله المعروف - لكي يعزز الشكوك. ما أن طارت مادلين اولبرايت عائدة الى واشنطن حتى طار نتانياهو الى كبير ارهابييه ارييل شارون فسلّمه حقيبة الخارجية. وشاء التفسير الرسمي غير الموثوق به القول ان الهدف من هذه الخطوة اجتذاب المتطرفين وتخفيف معارضتهم لأي اتفاق جديد مع الفلسطينيين. وعشية السفر الى واشنطن انعقد مجلس الوزراء الاسرائيلي، لا ليؤكد الاتجاه الى عقد اتفاق، وانما الى تشديد التصلّب في الشروط الامنية المطلوب من الفلسطينيين تلبيتها تسهيلاً للاتفاق على انسحاب جديد من اراضٍ محتلة. لم يكن توزير شارون ليمرّ من دون انتقاد، أقلة في الدوائر غير العربية، لو لم يقدم على اساس انه من الترتيبات الداخلية لتمرير ال 13 في المئة. لكن مجرم الحرب الوزير صوّت في مجلس الوزراء ضد الاتفاق، ومع ذلك سيذهب الى واشنطن للمشاركة في المحادثات. ليس الفلسطينيون ملزمين فقط بقبوله كمفاوض، بل انهم ملزمون قبوله مفاوضاً معارضاً لاتفاق يفترض ان المحادثات عقدت من اجله. فإما ان شارون كذب في مجلس الوزراء واما انه سيكذب في المحادثات نفسها. والاكيد ان مهمته الرئيسية هي التفاوض للتعجيز، واذا كان لا بد من اتفاق فمهمته تكمن لاحقاً في مساعدة رئيس الوزراء على عدم التنفيذ او تمييعه او رهنه بشروط لا تنتهي. واتفاق الخليل لا يزال شاهداً على مثل هذا النهج الليكودي. لائحة الشروط العشرة التي اعلنتها اسرائيل، امس، تؤكد مدى التباعد بين طرفين يفترض انهما مقبلان على اتفاق برعاية شخصية من الرئيس الاميركي. فاسرائيل تعامل السلطة الفلسطينية على اساس انها جهاز في ادارتها، وليس على اساس انها حكومة تمثّل شعباً. وبالتالي فان المشكلة ليست في امتناع اسرائيل عن تنفيذ الاتفاقات او في انقلابها على التعهدات، وانما هي تحديداً في قصور "الجهاز" عن تنفيذ ما يكلف به. وفي المقابل تظهر الملاحظات الفلسطينية على مواقف اسرائيل الى اي مدى يبدو الاتفاق العتيد مبنياً على رمال متحركة. فالفلسطينيون لم يسمعوا حتى الآن اي موافقة على "المبادرة الاميركية"، ولا يُعرف اذا كان الاميركيون سمعوا شيئاً من هذا القبيل. والاسرائيليون لم يعطوا اي كلمة بشأن وقف الاستيطان ولا يتوقع ان يعطوا. ولم تصدر عنهم اي اشارات جدية الى تسوية القضايا المعلقة المطار، الميناء، الممر الآمن، الأسرى، ناهيك عن التلاعب المستمر بنسب الانسحابات وتضييق الاراضي بين "ب" و"أ". كان التحرك الاخير مجرد تسليف لبيل كلينتون الراغب في انجاز ما في السياسة الخارجية. قد يكون الفلسطينيون مضطرين الى تسليفه لانهم أيّدوا "المبادرة" ولأن لا خيار آخر لديهم. اما الاسرائيليون فمن الطبيعي ان تكون لديهم حسابات اخرى، خصوصاً ان خياراتهم مفتوحة. ولعل مصير "الاتفاق" المرتقب رهن هذا السؤال: هل لدى نتانياهو اسبابٌ كافية ل "منح" كلينتون هذا الانجاز؟ الجواب: نعم، اذا كان الرئيس الاميركي سيسقط بعد شهرين او ثلاثة فمن الضروري ان ينتهز الاسرائيلي الفرصة لفرض اتفاق يحقق له كل أغراضه. وهكذا يكون كلينتون محكوماً بممارسة أقصى الضغط على الفلسطينيين لئلا يبدأ عزله من… "واي بلانتايشن"