السؤال المهموس والمعلن واحد في جنوب افريقيا: هل تصبح غارثا ماشيل زوجة لنيلسون مانديلا؟ قليلون يواكبون عن كثب مراحل المحاكمة الاستجوابية التي تخضع لها زوجته السابقة ويني، ذلك ان وقائع العهود العنصرية، بكل ما فيها من قبح وفظاظة، ما عادت تثير اهتمام العامة، ربما لأنها تذكّر بوقت من الافضل طيّه في إضبارة النسيان، الا ان حكاية غارثا ونيلسون لا تني تتردد على الافواه. تعيش غارثا في دارة واسعة في مابوتو، الموزمبيق، مطلّة على المحيط الهندي. سيدة بالغة الأناقة، دائمة الابتسام، جاهزة النكتة، واسعة الاطلاع. وهي أرملة الزعيم المغدور ساموراماشيل، الرئيس المؤسس لموزامبيق، الذي قتل عام 1986، بعد 11 عاماً على تحرير بلاده من الاحتلال البرتغالي. وما زال الاعتقاد سائداً ان الطائرة التي كانت تقلّه مع ثلاثين آخرين لم تسقط جزافاً، بل جرى تفجيرها عمداً. عاشت غارثا مرحلة الثورة كمناضلة وشغلت منصب وزيرة التعليم بعد استقلال بلادها. ولها موقف بارز في الأممالمتحدة بسبب رعايتها حركة مكافحة الألغام البشرية، اضافة الى كونها محامية وديبلوماسية. مع ذلك ما ان يأتي اسم مانديلا في الحوار معها تراها انفرجت ضاحكة كأنها فتاة لاعب. وتقول غارثا انها الآن سعيدة: "كنت سعيدة جداً مع سامورا وتألمت كثيراً لرحيله. والآن انا محظوظة لأنني عرفت الحب من جديد. فهناك كثيرات عندما يخسرن ازواجهن، يفقدن الضوء في حياتهن الى الأبد. والواقع انني لم اكن اتوقع قدراً مختلفاً عن قدرهن حتى التقيت مانديلا". من جهة اخرى ما عادت سعادة مانديلا بهذا اللقاء خافية على احد. فبالاضافة الى قمصانه الملوّنة بالشمس والزهور شاهده الملايين اخيراً على الشاشة الصغيرة خلال نزهة في جوار منزله يقدّم لغارثا وردة حمراء ويقول صراحة للصحافيين انه مغرم بهذه السيدة. لكن مانديلا الذي ذهب الى لندن خصيصاً لحضور حفل تكريمي جرى خلاله منح غارثا دوكتوراه فخرية، لا يقبل إقحام حياته الخاصة في المجال العام. وغارثا ايضاً تتجنب بحث الموضوع عموماً. وتقول: "انا امرأة مستقلة لكن مع الاسف حياتي عرضة لاهتمام الآخرين". بدأت قصتهما بعد مصرع سامورا عندما كتب لها مانديلا من السجن وويني من الحجر المنزلي. يومها ردّت غارثا في رسالة الى ويني: "ان الذين سجنوا زوجك قتلوا زوجي. يعتقدون انهم اذا قطعوا آخر الاشجار يقضون على الغابة. لكن التاريخ لن ينسى ابداً سامورا ماشيل ونيلسون مانديلا". على اثر مصرع سامورا اكملت غارثا ممارسة مهماتها كوزيرة للتعليم وانصرفت ايضاً الى تنشئة اولادها. لكنها لم تتمكن من استعادة حماستها للعمل. وعام 1989 استطاعت ان تستقيل من حقيبتها الوزارية وانسحبت من الحياة العامة. في العام التالي التقت مانديلا للمرة الاولى، وكان بينهما تواصل تحوّل الى علاقة عندما التقيا ثانية عام 1992. بعد انتخابه رئيساً لجنوب افريقيا عام 1994 وانفصام اواصره مع ويني، بدأ نيلسون يكثر من زيارته لموزامبيق، كذلك كان من طبيعة عملها مع الاممالمتحدة زيارة جنوب افريقيا على مدار السنة. ورويداً رويداً توطدت علاقتهما وباتت حباً يجعل مانديلا دائم الاتصال بغارثا. صحيح ما زالت صورة سامورا الضخمة تحتل صدر دارها، لكن زائرها المفضل، مانديلا، يحتل الحيّز الاكبر من حياتها: "نمضي اوقاتاً طيبة معاً" تقول غارثا "نحب تبادل الأحاديث والمشي والمطالعة. نيلسون يقول ان الشيء الوحيد الذي يفتقده من سنوات الاسر هو المطالعة. لكن المشكلة ان وقتنا ضيق. خصوصاً نيلسون. الجميع يريدون مقابلته ولديه من القرارات ما لا نهاية له. عليه ان يستقيظ في الرابعة صباحاً، كل يوم. في البداية وجدت صعوبة في اعتياد هذه اليقظة الباكرة، لكنني سرعان ما تعوّدتها". غارثا سيمبيني من مواليد موزامبيق عام 1945 صغرى ستة اطفال لأسرة فقيرة، كان ربّها مبّشراً وعاملاً، وتوفي قبيل ولادتها. الا ان غارثا تابعت دراستها حتى المرحلة الثانوية على رغم ندرة ذلك في ظل الاستعمار البرتغالي. وبات تحصيلها العلمي جوازاً الى عالم مختلف جعلها تتنبه سياسياً في وقت مبكر. وعام 1968 حصلت على منحة دراسية لاكمال دراستها في لشبونة حيث تخصصت في اللغات الجرمانية. وفي لشبونة انضمت غارثا الى تنظيم سري يدعى "جبهة تحرير موزامبيق". واستطاعت ان تحصل على اضبارة التعليمات العسكرية المعدّة لمقاومة الارهاب، اضافة الى معلومات بالغة الاهمية حول وضع الاقتصاد البرتغالي. لكن امرها انكشف ولاحقتها الشرطة السرية فهربت مع بعض افراد التنظيم عائدة الى بلادها وانضمت الى المقاومة هناك وتعرّفت خلال فترة تدريبها الى سامورا. عام 1975 أفلح سامورا بتحرير بلاده من الاحتلال البرتغالي وتزوج من غارثا عشية احتفالات الاستقلال. كانت غارثا آنذاك في التاسعة والعشرين من عمرها ولدى تسلّمها وزارة التعليم واجهت احدى اصعب المهمات في حياتها العملية على الاطلاق اذ كان معدّل الأمية في موازمبيق 93 في المئة: "أرعبني التحدّي. لكن محو الأمية كان اساسياً بالنسبة الى الثورة. وفوق ذلك كله كنت المرأة الوحيدة في الحكومة". وخلال خمس سنوات ارتفع عدد الطلبة من 400 ألف الى مليون و600 ألف وانخض معدل الأمية بنسبة 12 في المئة. ولعل من قبيل المصادفة ان علاقتها بمانديلا بدأت عندما اتخذ عملها في الاممالمتحدة اتجاهاً دولياً على قدر كبير من الصعوبة. فمنذ عامين كان عليها ان تهيئ تقريراً مفصلاً حول توريط الاطفال في النزاعات المسلحة ووجدت نفسها في حاجة الى دعم معنوي لم يتأخر مانديلا في تقديمه. غير انها لم تعد مهتمة بالعمل السياسي وتكرّس اوقاتها للعمل الانساني فقط. يبقى السؤال المطروح هل تتزوج مانديلا؟ تقول غارثا "في الوقت الراهن انا سعيدة لأن نيلسون سعيد. وسأفعل ما بوسعي كي يبقى سعيداً". تنتهي رئاسة مانديلا العام المقبل ويتوقع كثيرون في جوهانسبورغ ان يتقاعد الى جانب غارثا "المرأة التي أحبت أطول شجرتين في افريقيا"