أظهرت دراسة اقتصادية، ستصدر عن معهد أبحاث السياسات الاقتصادية "ماس" خلال الأيام القليلة المقبلة، أن مختلف القطاعات الاقتصادية الفلسطينية شهدت تراجعات بنسب متفاوتة خلال العام الماضي 1997، باستثناء قطاعي البنى التحتية والمال. وأشارت الدراسة التي تناولت قطاعات البنية التحتية والسياحية والاسكان، خلال النصف الأول من العام الماضي، ان قطاعي السياحة والاسكان شهدا تراجعاً وصل إلى نحو 60 في المئة في بعض جوانبه. وأشار تقرير صدر عن "ماس" والبنك الدولي في تشرين الأول اكتوبر الماضي إلى استمرار التدهور في الاقتصاد الفلسطيني منذ توقيع اتفاقات أوسلو، بسبب الاجراءات والقيود الإسرائيلية. وتبين الدراسة انخفاضاً في عدد السياح من 600 ألف سائح في النصف الأول من 1996 إلى 250 ألف سائح في الفترة نفسها من 1997، بينما طرأت زيادة في عدد الفنادق من 72 فندقاً إلى 80 فندقاً، وتراجعت نسبة تشغيل الفنادق من 6،44 في المئة إلى 38،4 في المئة. وذكر المدير العام للمعهد نبيل قسيس ان مساحات البناء تراجعت بنسبة 28 في المئة، ففي حين بلغت 660 ألف متر مربع في النصف الأول من عام 1996، وصلت إلى 606 آلاف متر مربع للفترة نفسها من عام 1997، وكان التراجع في قطاع غزة أعلى منه في الضفة الغربية، حيث وصلت النسبة إلى 24 في المئة في قطاع غزة، و2،5 في المئة في الضفة الغربية. وتتحدث الدراسة عن "ظهور نشاط ملحوظ في البنية التحتية والاتصالات والطاقة والمياه والكهرباء والصرف الصحي والطرق"، لكنها تبقى "أقل بكثير مما هي عليه في البلدان الأخرى" وخصوصاً المجاورة منها. ويرى عدد من الاقتصاديين الفلسطينيين ان قطاعي الصناعة والزراعة كانا الأكثر تضرراً من الاجراءات الإسرائيلية المتمثلة في الحد من حرية حركة الأفراد والسلع، واستمرار مصادرة الأراضي. وفي رأي استاذ الاقتصاد في جامعة النجاح يوسف عبدالحق ان طموحات القطاع الصناعي الفلسطيني، التي انتعشت مع بداية العملية السلمية، بدأت في التلاشي مع وجود "قيود كبيرة" في مختلف المجالات، خصوصاً الصناعية منها. وأضاف: "ان التراجع الذي يشهده قطاع البناء والاسكان، يعتبر نذير شؤم"، حيث يشكل هذا القطاع "مقياس" الحركة الاقتصادية الذي ترتفع فيه الاستثمارات عند ظهور بوادر النمو والتطور. وأشار رئيس الدائرة الاقتصادية في مركز البحوث والدراسات الفلسطينية السيد هشام عورتاني، إلى الأثر السلبي الذي يتركه الاغلاق الإسرائيلي على الاقتصاد الفلسطيني من حيث انخفاض عدد العاملين في إسرائيل الذين يقدر عددهم بأقل من 20 ألف عامل على مدار العام، في حين وصل عددهم قبل الانتفاضة إلى نحو 150 ألف عامل. وأبدى عورتاني تفاؤله من الفرصة المتاحة أمام المزارعين الفلسطينيين مع بداية السنة الجارية بتصدير منتجاتهم إلى الأسواق الإسرائيلية، باعتبار هذه الاسواق المجال الوحيد المتاح في ظل الأوضاع القائمة، إذا حافظ المزارعون الفلسطينيون على تصدير أنوع جيدة ذات مواصفات مقبولة مع وجود فارق في أجور العمل الزراعي لصالحهم. إلى ذلك، وجه عميد كلية الاقتصاد في جامعة النجاح نصر عبدالكريم انتقادات إلى أداء السلطة الوطنية الفلسطينية على المستوى الاقتصادي، واصفاً اياه بأنه "ساهم في تعميق الأزمة الاقتصادية على مستويين، الأول يتمثل في إدارتها لدفة الاقتصاد الفلسطيني، والثاني تأخرها في إقرار رزمة القوانين الاقتصادية"، مرجعاً ذلك إلى "طغيان الهم السياسي والتفاوضي على أي اهتمام آخر". وفي رأي عورتاني ان هناك جانبين، ايجابي وسلبي، في أداء السلطة في الناحية الاقتصادية، فارتفاع الانفاق الحكومي في مجال البنى التحتية شيء مهم وايجابي، لكن المناخ الاستثماري وإقامة الشركات الاحتكارية من قبل أجهزة السلطة خلال الأعوام الأربعة الماضية أمور سلبية تشكل تهديداً لهوية النظام الاقتصادي في فلسطين الذي يعتبر اقتصاداً حراً. وعلى رغم ذلك، يرى قسيس ان هناك مجالاً لوقف التدهور وتحسين الاداء الاقتصادي، ففي رأيه "ان التنمية ممكنة ولدينا كل المقومات اللازمة لانطلاقها، ولكن ليس دون شروط". ويضيف: "هناك امكان لتحسين الوضع من خلال بعض الاجراءات، ولكن لا بديل في جميع الأحوال من الاستقلال بما يعنيه من سيطرة على المعابر والحدود وحرية استغلال الموارد وإدارة الأراضي".