العنصرية مرض من امراض الكبرياء البشري. والكبرياء ممقوت، وهو شيء غير الاعتزاز بالنفس. وتولد العنصرية من اختلاف الاجناس والاعراق والدماء واللغات والالوان. ان الجنس الابيض مثلا يعتبر نفسه هو الجنس الافضل. لقد حقق هذا الجنس انجازات علمية وصناعية، ونجح في تطوير اسلحته. ثم كلف نفسه بمهمة سامية هي حمل الحضارة الى العالم ونشر التمدين فيه. كانت الحضارة والمدنية اقنعة يخفي وراءها الجنس الابيض رغبته في استعمار العالم وبسط نفوذه عليه وحلب بقية الشعوب واستنزاف ثرواتها. وهكذا بدأ الاستعمار التقليدي... بدأ بشعارات قد تبدو لنا اليوم مضحكة، ولكنها على ايامهم كانت شعارات معتبرة ولها وجاهتها. على الرجل الابيض ان يحمل الحضارة والتقدم الى الرجل الاسود.. وتحركت الاساطيل وتوجهت نحو قارة افريقيا او القارة السوداء، وبدأت المعركة بين سكان افريقيا الاصليين وهؤلاء المستعمرين الجدد... كانت المعركة غير متكافئة. ان السهم والحربة يواجهان البندقية والمدفع. ومجال السهم والحربة قصير، اما مجال السلاح الناري فأبعد واكثر فعالية. انهزم الرجل الاسود وبدأ الرجل الابيض يشحن مئات الآلاف من السود الى شطآن اوروبا واميركا. وبيع الرجل الاسود كرقيق، واقامت اميركا حياتها على اساس وجود الرقيق فيها باعتبارهم عنصر عمل يشتغل بطعامه فقط. وحتى بعد إلغاء الرق ظل اللون الاسود في اميركا لا يحظى بالاحترام الذي يحظى به الرجل الابيض، ولا يجد نفس ما يجده الرجل الابيض من فرص في التعليم او الحياة او الوظائف او حتى المطاعم، فإلى عهد قريب كانت هناك مطاعم تكتب على ابوابها "ممنوع دخول الكلاب والسود". صحيح ان اميركا تتخلص من هذا الاحساس، او تحاول التخلص منه، ولكنها استغرقت قرنين من الزمان لتصل الى هذه النتيجة. اما اوروبا فما زالت عنصرية، مع اختلاف في درجة العنصرية ونسبتها في دولها. اشار استطلاع للرأي اجرته مؤسسة متخصصة في اوروبا الى ان ما يقرب من ثلث اوروبا يعترف انه عنصري جدا، وقد اجري الاستطلاع على 16 الف شخص سئلوا هل هم عنصريون جدا، ام عنصريون نوعا ما؟ كانت الاجابات تبين ان 55 في المئة من اهل بلجيكا اعترفوا انهم عنصريون جدا، و48 في المئة من الفرنسيين اعترفوا انهم عنصريون جدا، اما في النمسا فقد بلغت النسبة 42 في المئة، وكانت اقل الدول احساسا بالعنصرية ايرلندا 4 في المئة والسويد 2 في المئة. هذه التوجهات العنصرية التي كشف عنها الاستطلاع لم تكن مفاجأة لنا، فقد وقعت منذ ما يقرب من ثلاث سنوات حرب ابادة عنصرية لمسلمي البوسنة، ووقف العالم الاوروبي يتفرج على المأساة وكأنه يشاهد تمثيلية دامية في السينما او في التلفزيون. ثم افاق الضمير اخيرا وتدخل، ولم تكن افاقته وتدخله لاسباب انسانية بحتة. هناك شعوب تؤمن بالعنصرية على اساس اللون، او الدم النبيل الازرق، او اختلاف الاعراق. وهناك شعوب تعتقد بأنها شعب الله المختار، وتعطي لنفسها الحق في احتلال ارض الغير وتشريد اي شعب ما دام ليس شعبا مختارا من الله! ولقد اثبتت الدراسات العلمية خرافة الاعراق والدماء، فليس هناك عرق لم يختلط بغيره وليس هناك دم نبيل ودم غير نبيل وبالتالي فلا حرمة في اراقته وسفكه! ايضا ثبت ان اختيار الله لشعب من الشعوب يتم بناء على فضل هذا الشعب وعدالته، فاذا سقط الفضل والعدالة خرج الشعب من رحمة الله الى غضبه. ان الدين لا يمكن ان يدفع الى العنصرية او التعصب، والاسلام مثلا يعتبر ان اختلاف الالوان والاجناس آية من آيات الله التي تستوجب العبرة والحمد لا البغي والعنصرية.