الحادثة المروعة التي أودت بحياة ثمانية أشخاص، بينهم ديبلوماسي عراقي وثلاثة رجال أعمال عراقيين، تشير في ملابساتها وضحاياها والأقوال التي أدلت بها الناجية اليونانية، الى ان وراءها دوافع مالية متداخلة مع خلافات سياسية بين أفراد العائلة الحاكمة في العراق. فالناجية أكدت ان الهدف من العملية لم يكن الديبلوماسي العراقي. كما قالت ان الضحايا تعرضوا لعملية استجواب قبل مقلتهم. ومعظم الأسئلة كان عن الأموال والحصص المصرفية. وما يزيد من الاحتمالات في ذلك الخصوص، ان نمير أوجي لم يكن الوحيد من عائلة أوجي العراقية الثرية موجوداً في تلك اللحظة في عمان. بل كان في العاصمة شقيقه الأكبر، المقيم في لندن، رجل الأعمال نظمي أوجي. كما ان شقيقاً ثالثاً لنمير، واسمه نزار، كان من المتوقع ان يصل الى عمان يوم الحادث للمشاركة في "السهرة الرمضانية" لكن انشغاله بعيد ميلاده اضطره لتأجيل السفر يوماً واحداً. بلا شك، يبقى الكلام الفصل في كل ذلك للتحقيق الذي يؤكد الاردنيون انه لا يزال جارياً. وتظل الحال مفتوحة على احتمالات عدة، خصوصاً في ظل تردي العلاقات بين الأردنوالعراق على خلفية مقتل الأردنيين الأربعة في بغداد قبل حوالى شهر. اضافة الى صعوبات الوضع السياسي المحيط بالحكومة العراقية في الوقت الراهن. على رغم كل ذلك، يبقى الاحتمال الأقرب الى الواقعية، هو نزوع الابن الأكبر لصدام حسين، عدي، الى السيطرة المطلقة على ادارة الأموال والاستثمارات العائدة لوالده في الخارج واخراجها من اشراف عمه، برزان التكريتي الذي يعيش خلافاً لا مع عدي فحسب، على خلفية ما تعرضت له ابنته حين كانت زوجته وطلقها، بل مع النظام برمته، خصوصاً بعد رفضه العودة الى بغداد. والواقع ان عدي لم يعد قادراً، بعد اصابته بالاعاقة نتيجة تعرضه لمحاولة اغتيال عام 1996، على اداء نشاطات تتطلب منه جهداً جسدياً كبيراً. بل أصبح يفضل تركيز جهوده، كما ينقل ذلك عراقيون عاشوا في بغداد خلال الشهور الأخيرة، على ادارة المصالح والأموال والاستثمارات في الداخل والخارج عن طريق شبكة من رجال الأعمال والمندوبين. وكانت عائلة الرئيس صدام حسين تملك بالفعل استثمارات كبيرة، لكن سرية، في أوروبا والمنطقة العربية منذ سنوات الحرب العراقية - الايرانية في الثمانينات. لكن مسؤولية الاشراف عليها كانت تعود الى الأخ غير الشقيق للرئيس العراقي برزان، الذي يعمل في الوقت ذاته سفيراً للعراق في منظمة الأممالمتحدة في جنيف. وكان جل هذه الاستثمارات يتحرك آنذاك في ميدان تجارة الأسلحة وتأسيس الشركات، خصوصاً تلك التي يمكن ان تغذي الصناعة العسكرية العراقية بتكنولوجيا ومعدات متطورة. لكن المشكلة التي واجهت تلك الاستثمارات تمثلت في تعرض العراق بعد غزو قواته أراضي دولة الكويت عام 1990 الى عقوبات دولية تضمنت تجميد أمواله وشركاته وممتلكاته في الخارج. والأدهى ان المشرف على تلك النشاطات، برزان التكريتي، أخذ يلوّح بشكل غير مباشر باعتراضاته على أساليب الحكم. ويشدد على التصريح بخلافاته مع عدي، اضافة الى تلميحاته الى وجود "أسباب عائلية" وراء عدم عودته الى العراق. وعلى رغم ان الأممالمتحدة استطاعت ان تلزم الكثير من الدول، إن لم نقل كلها، بتطبيق الفقرة الخاصة بتجميد الأموال والممتلكات العراقية العائدة للنظام، إلا ان أوساطاً مالية حكومية واعلامية عديدة في أميركا وبريطانيا، دأبت على الاشارة الى ان الحكم العراقي، والمقصود به العائلة الحاكمة، لا يزال يملك استثمارات سرية في أوروبا وبقية البلدان، لم يُصَر الى الكشف عنها حتى الآن. وكانت الشبهات تحوم بين الفينة والأخرى على بعض الشركات التي يملكها عراقيون. وكانت بريطانيا في العام الماضي مسرحاً لاحدى تلك الشبهات. واستمرت الأموال والاستثمارات في حركتها الطبيعية. لكن برزان لم يسمح، على ما يمكن التكهن به، بخروجها من تحت سيطرته المباشرة، خصوصاً بعد نجاحه في تحييد علاقاته مع شقيقه صدام حسين عن الصراعات المعلنة. لكن بعد غزو القوات العراقية دولة الكويت وفرض العقوبات الدولية على العراق، تغيرت مواقف العائلة، خصوصاً ان عدي كان قرر فرض سيطرته على التجارة والنشاطات الاستثمارية العراقية في الداخل والخارج. فالأوضاع والصعوبات الاقتصادية التي يعيشها العراق، والمخاطر التي تحدق بحكم العائلة تفرض، في رأيه، ان لا يكون مفتاح الأموال والاستثمارات في يد من هم "مشكوك في ولائهم حتى لو كانوا من أقرب الأقرباء"، خصوصاً ان الوصول الحر والقانوني الى تلك الأموال والاستثمارات أصبح صعباً ومقيداً في ظل العقوبات الدولية. من هنا، أقدم عدي على عمل من خطوتين: الأولى، السيطرة الكاملة على عمليات التهريب غير المشروع للنفط عبر الحدود مع تركيا، وتأسيس شركات وهمية للاستثمار في الأردن، اضافة الى السيطرة على استيراد المواد الغذائية والبضائع والتحكم ببيعها وتوزيعها. والثانية، محاولة بناء شبكة "جديدة ومستقلة" في الخارج تتولى استثمار أموال العائلة تحت مسميات أخرى. وما زاد من الشكوك، ان عدداً من رجال الأعمال خرجوا في تلك الفترة من العراق واستقروا في دول كثيرة منها الأردن وبعض العواصم القريبة، وأخذوا يؤسسون مصالح اقتصادية وشركات وهمية باشراف مباشر من عدي في الداخل. بل ان بعضاً من هؤلاء حاول الوصول الى بلدان أوروبية بهدف مد نشاط عدي الاقتصادي والاستثماري في هذه البلدان. لكن بعضاً منهم جرى تسفيره، فيما لا يزال البعض الآخر محتجزاً لدى سلطات تلك البلدان. وقد نأى برزان التكريتي بنفسه عن مواجهات مالية غير محسوبة مع عدي. فالأموال التي جرى استثمارها قبل سنوات عدة، أصبح من الصعب على عدي ان يصل اليها. كما ان الأيدي والشركات التي تتولى ادارتها أصبحت تملك خبرة يصعب معها على "رجال عدي" المحملين كميات ولو كبيرة من النقد، ان يعرقلوها او يسترجعوها حتى في مجال تجاري محدود كالمجال الأردني. لكن اللافت ان عدي، كعادته في بقية نشاطاته الرياضية والصحافية، عزز نشاطه التجاري في الخارج، خصوصاً في الأردن، بشبكة من عناصره المخابراتية، لم تقتصر مهماتهم على مساعدة رجال أعماله فحسب، بل شملت أيضاً محاولة الوصول الى رجال أعمال عراقيين استخدموا، في وقت من الأوقات، أموالاً عائدة للعائلة، لكنهم وقفوا لاحقاً، بعد العقوبات الدولية، مع برزان التكريتي. وبأخذ ذلك كله في الاعتبار يبدو الحدث الذي تزخر به الحياة "السياسية" في العراق اليوم يدور حول العائلة الحاكمة، لا سيما عدي ومنافسته مع عمه!