لم يكن ممكناً ان يزور البابا يوحنا بولس الثاني كوبا من دون ان يتناول قضية حساسة تمسّ شعبها، وهي الحظر الاميركي المفروض على الجزيرة، على رغم التأكيد مسبقاً في هافانا والفاتيكان على الرغبة في عدم "تسييس" الزيارة. ومنذ وطئت قدماه ارض كوبا مساء اول من امس لم يتمالك البابا ان يتمنى لشعبها الذي "يملك قدرات هائلة" ان "ينفتح على العالم وان ينفتح العالم على الجزيرة" التي ترزح تحت وطأة حصار اميركي مستمر منذ 30 عاماً. وساهم الاستقبال الرسمي والشعبي الحاشد، الذي لقيه رأس الكنيسة الكاثوليكية في هافانا وسانتا كلارا التي زارها امس، في تسليط الضوء على الحظر الاميركي وجدواه راجع ص8. لذا أظهرت الادارة الاميركية حساسية في الردّ على الدعوة التي وجهها البابا الى "إعادة النظر في الحظر الاقتصادي والتجاري والمالي" المفروض على الجزيرة. وردّت الخارجية الاميركية على لسان الناطق باسمها جيمس فولي مؤكدة ان واشنطن "تحترم البابا" لكنها أشارت الى ان الحظر "تشريع اميركي يحظى بدعم قوي من الحزبين" الديموقراطي والجمهوري. وأعرب الناطق عن ثقة الادارة الاميركية في ان البابا سيطلب من كاسترو تحسين وضع حقوق الانسان في الجزيرة على أساس ان رأس الكنيسة الكاثوليكية "يعارض القمع وانتهاك حقوق الانسان اينما كان في العالم". لكن الضيف التاريخي أشاد ببعض القيم التي اعتبر ان الكوبيين لا يزالون يحترمونها مثلما حرصوا طوال العقود الماضية من الحكم الشيوعي على عدم التفريط بمعتقداتهم الدينية، الأمر الذي اثبتوه بجدارة من خلال استقبالهم الحاشد له وللقداديس التي أقاموها بلا انقطاع منذ ايام عدة. واعتبر البابا ان بطل الثورة تشي غيفارا "كان يهدف الى خدمة الفقراء"، وكأنه اراد بذلك ان يقرّب المسافة بين أغراض الكفاح الثوري والاهداف السامية للكنيسة. وفي زيارته الى مدينة سانتا كلارا التي شهدت الانتصار الأهم للثورة الكوبية على الحكم السابق، شاهد البابا جموعاً من الناس تستقبله بالحماس نفسه الذي استقبلت به غيفارا الذي أعيدت رفاته لدفنها في المدينة قبل بضعة اشهر. وبلغ قلق واشنطن من الزيارة البابوية حداً دفع بها الى ارسال رئيس الدائرة المختصة بكوبا في الخارجية الاميركية مايكل راننبرغ الى الجزيرة "لمراقبة الاوضاع هناك عن كثب". وعكست تصريحات الأخير بعد وصوله اول من امس رغبة واشنطن في الاطمئنان الى ان "اي تغيير جذري ليس متوقعاً" نتيجة للزيارة. لكن اصحاب المصالح التجارية الاميركية لم يكونوا غائبين عن المناسبة التي يتوقع ان تأتي بعائدات تجارية ضخمة لكوبا. وأفيد ان شركات اميركية عدة ساهمت بشكل فاعل في تأمين النقل الجوي والدعم التقني والاعلامي للزيارة، حسبما أفاد المجلس الاقتصادي التجاري الأميركي - الكوبي في نشراته امس. وأضاف المجلس ان وزارة الخزانة الاميركية اعطت موافقتها الى شركات لتقديم خدمات خلال الزيارة البابوية. اما الصحافيون الاميركيون الذين تهافتوا على الجزيرة لتغطية وقائع الزيارة فعاد بعضهم الى الولاياتالمتحدة امس حيث وجدوا "مادة دسمة" في اخبار الفضائح المتلاحقة التي طاولت الرئيس الاميركي بيل كلينتون.