تحولت ساحة النجمة امس ساحة للتظاهرات العمالية والطالبية. واختلطت في تظاهرة الطلاب امام المجلس النيابي امس شعارات التأييد لأركان السلطة بشعارات المعارضين والمطالبين بدعم الجامعة اللبنانية، فظهر المشهد غريباً احياناً وعصياً على التفسير في احيان اخرى. كثيرون سألوا وتخوفوا من اصطدام الطلاب المتناقضة شعاراتهم وأهدافهم من النزول الى ساحة النجمة، وهذا الاصطدام كاد يحصل، لولا طغيان الرغبة في انجاح التحرك ما منع المغالاة في استفزاز الآخرين. فپ"حركة أمل" التي تغيبت عن اجتماع الهيئات الطالبية، عند تقرير التحرك الاخير للضغط على الحكومة ومطالبتها بزيادة موازنة الجامعة اللبنانية وتحقيق مطالب اساتذتها، استبقت موعد الاعتصام المقرر في الاولى بعد ظهر امس وحشدت عدداً من طلابها، وقفوا في الحادية عشرة والنصف على مدخل المجلس النيابي، وشرعوا يهتفون تأييداً لرئيس المجلس نبيه بري، وكان على رأسهم النائب علي حسن خليل، وهو رئيس "اتحاد شباب لبنان" الذي يضم "أمل" و"الاحباش" والقوميين السوريين - الطوارئ وشباب المستقبل. وانتقل هؤلاء وبعضهم من الجنوب الى ساحة النجمة في حافلات كبيرة استأجرتها قيادتهم، في حين هرع الناشطون بينهم، طلاب كلية الحقوق - الفرع الاول، الى النائب زاهر الخطيب وحملوه على اكتافهم، وتولى زملاء لهم حمل نائب الحركة علي حسن خليل. ثم انتقلوا الى هتافات دعوا فيها الى توحيد كليات الجامعة اللبنانية. وفسر بعض الصحافيين هذا الهتاف بأنه رد على تحفظ طلاب الفروع الثانية عن توحيد الكليات، ويمتد هذا التفسير ليصل الى ان هذا الهتاف هو احتجاج ضمني على مشاركة العونيين في اجتماعات القوى الطالبية ومشاركتهم القوى الاخرى قرارات الاعتصام والتحرك لدعم الجامعة اللبنانية. وفي الاولى بعد الظهر، بدأ الطلاب الذين لبوا دعوة الهيئات الطالبية الاشتراكيون والعونيون والشيوعيون و"حزب والله" والاحرار والكتائب بالتقاطر الى ساحة النجمة، ولكنهم تحلقوا في زاوية اخرى غير تلك التي تجمع فيها طلاب "أمل". وبعد قليل فاقت اعدادهم عدد طلاب "أمل". وبدأت مفاوضات بين النائب علي حسن خليل ومسؤولي الهيئات الطالبية في الاحزاب الاخرى لدمج التجمعين، شارك فيها اساتذة الجامعة اللبنانية. بداية رفض ممثلو الهيئات الطالبية الاندماج مع تجمع طلاب "أمل"، وبرروا ذلك بأن الشعارات التي يطلقها هؤلاء لا تناسبهم. وقال مسؤول "اتحاد الشباب الديموقراطي" للنائب علي حسن خليل ان "الاتفاق كان يجب ان يحصل امس لكنكم تغيبتم عن الاجتماع". فرد الاخير انه يضمن عدم اطلاق شعارات فئوية فوافق الجميع. الا ان حسابات الحقل لم تطابق حسابات البيدر. فاندمج الطلاب وفاق عددهم عند اندماجهم الالفين. لكن حراس المجلس، النيابي افردوا الساحة المواجهة لمدخل المجلس حيث عدسات المصورين والشرف التي يطل منها النواب، لمناصري حركة "أمل" الذين استمروا في اطلاق الشعارات المؤيدة لرئيس المجلس. وبدأ يظهر من الخلف تململ الطلاب وانزعاجهم، واستأنف مسؤولو القوى الطالبية مفاوضاتهم. من جهة، رغبة في عدم تحويل التحرك عن اهدافه المطلبية وتجييره الى اطراف سياسيين، ومن جهة اخرى تحفظ عن وجود شعارات وصور لغيفارا وكمال جنبلاط. البيانات الطالبية كانت تنثر فوق رؤوس الطلاب المتظاهرين، وهي كانت تأتي، من اكثر من جهة. وأحاديث الطلاب الجانبية دارت على احتجاج الشيوعيين على حمل النائب زاهر الخطيب وعلى احتجاج "أمل" والقوميين - الطوارئ على ضم الهيئات الطالبية ممثلين عن التيار العوني اليهم واستغرابهم ما يجمع بين "الاحرار" والشيوعي. اما البيان الذي وقعته المنظمات والهيئات الشبابية الطالبية فورد فيه ان "الاعتصام له ضوابط وصيغ مستقلة ومنفصلة عن اي تحرك مقرر اقامته في الوقت والمكان نفسيهما". في اشارة الى اعتصام "أمل" والاعتصام الذي دعا اليه الاتحاد العمالي العام بقيادة غنيم الزغبي الذي انضم الى المعتصمين من مناصري حركة "أمل" لدقائق بعد تسليمه مذكرة الاتحاد الى رئيس المجلس النيابي. رئيس رابطة الاساتذة المتفرغين في الجامعة اللبنانية عصام خليفة ألقى كلمة شدد فيها على مطلبية التحرك. ودعا الطلاب الى "حمل شعارات الجامعة اللبنانية وموازنتها وصندوق تعاضد الاساتذة". وأضاف: "اوصلنا الرسالة الى كل المسؤولين، وسنبقى مستمرين في تحركنا، ما لم يعطونا حقوقنا". وأثناء إلقاء خليفة كلمته، كان الطلاب يطلقون شعارات ضد الحكومة ورئيسها. اما رد فعلهم عند خروج النواب فكان متفاوتاً بين نائب وآخر، فالنائب الموالي يستقبل بالاحتجاج والمعارض بالهتافات المرحبة. حتى ان مسؤولي الامن ابلغوا النواب "المغضوب عليهم" بضرورة الخروج من الباب الخلفي للمجلس. ولوحظ حضور امني كثيف، تولاه عسكريون وآخرون في ثياب مدنية، وشكا الصحافيون من تدخل هؤلاء في شكل تغطيتهم للحدث. التحرّك العمالي وفي التحرّك العمالي، التقى الرئيس بري في مكتبه في المجلس رئيس الاتحاد العمالي غنيم الزغبي الذي نقل اليه مطالب العمال، وتمنّى على النواب "ان يأخذوا في الاعتبار المطالب المحقة وأهمها اسقاط الجدول الرقم 9". وسأل بري الزغبي عن النقاط موضع الانتقاد في الجدول فأجاب: "الرسوم على ميكانيك السيارات". وأوضح بري: "اننا سنأخذ في الاعتبار عمر السيارة معياراً والحصان مقياساً في آن". وقال: "لن نساوي الرسوم على السيارات الجديدة بالرسوم على السيارات القديمة. وأرجو ان تبلغوا هذا الجو الى الاخوة العمال أنا سأناضل مع كتلتي النيابية للوصول الى صيغة لا تشكل عبئاً عليهم". ورد الزغبي: "لا نريد رسوماً جديدة قبل تسوية الوضع المعيشي والحد الادنى للاجور في القطاع العام 250 الف ليرة. وهذا الوضع لا يحتمل". واوضح بري: "بالنسبة الى سلسلة الرتب والرواتب هي دين في ذمة الحكومة، ولن نعقد جلسة تشريعية الا يكون هذا الموضوع على جدول اعمالها لتشبعه درساً". وشكر الزغبي بري وقدم اليه مذكرة الاتحاد بالمطالب المرفوعة. ورافق رئيس المجلس الزغبي والوفد المرافق الى الباب الخارجي لمبنى المجلس وحيا المعتصمين الذين علا هتافهم فألقى فيهم كلمة مقتضبة وفيها: "سنسعى دائماً الى ان نعود الى نبعنا وحقيقتنا ومساقط رؤوسنا اذا صحّ التعبير، وان نعود دائماً الى المحرومين ومطالبهم ومطالب العمال. ونسعى بكل ما نملك من قوة، وضمن إمكانات الخزينة، الا ان نحقق لهم هذه المطالب التي بعضها محق بالاقدمية". وكان العمال المؤيدون لاتحاد الزغبي اعتصموا في ساحة النجمة قبل انتداب الزغبي واركان اتحاده لمقابلة بري. ومما جاء في المذكرة التي رُفعت الى رئيس المجلس: "رفض الجدول الرقم 9 وتصحيح الاجور ورفع الحد الادنى، وإقرار سلسلة الرتب والرواتب للعاملين في القطاع العام وإطلاق عمل المجلس الاقتصادي - الاجتماعي وتطبيق الحماية الاجتماعية والموافقة على اقرار ملاك مكتب الادوية واعادة النظر جذرياً في الجزء الخاص في الموازنة بالجامعة اللبنانية، واعتماد ضريبة تصاعدية على الارباح كمصدر اساسي لتمويل عجز الخزينة بدلاً من فرض ضرائب غير مباشرة، وتخصيص المدرسة الرسمية بالعناية والدعم. واقرار حقوق المعلمين واساتذة الجامعة اللبنانية والعاملين فيها". الى ذلك، دعت هيئة مكتب الاتحاد العمالي المستقل برئاسة الياس ابو رزق كل الهيئات والقوى السياسية والنقابية الى الاعتصام امام المجلس النيابي الثانية عشرة ظهر الاثنين المقبل "احتجاجاً على الضرائب والعجز والاهدار، وخصوصاً ما تضمنه الجدول الرقم 9". وكانت الهيئة التنفيذية لرابطة الاساتذة المتفرغين في الجامعة اللبنانية أيدت التوجهات المطلبية لدى الهيئات الطالبية. وحيّت الطلاب لتحركهم الذي "أسفر عن الغاء الزيادات على رسوم التسجيل" في الجامعة. وقوّمت الهيئة في لقاء عقد مع رئيس الحكومة رفيق الحريري "الذي أعرب عن دعمه لاستقلال الجامعة واستعداده للعمل على إقرار مشاريع المراسيم التي يعدها مجلس الجامعة في ما يتعلق بادخال الاساتذة المتفرغين الى الملاك".