لم يكن الشاي الأخضر بحاجة الى نتائج الدراسات الطبية التي اكدت فعاليته في الوقاية من السرطان لينتشر في المغرب. ذلك انه يكاد يكون المشروب الوطني عند الشعب المغربي. في جميع مناطق المغرب لا يمكن ان يغيب الشاي الأخضر سواء في الجلسات العائلية أو عند استقبال الزوار والضيوف، أو في الأعراس والأفراح، أو المآتم والاتراح. وللشاي اكسسوارات تساهم في تحضيره من صينية و"مقراج" وكؤوس البلار عند العائلات الميسورة، وتكفي لتأكيدها الاشارة الى ان معد الشاي يقتعد مجلس الصدارة في الصالون - الصالة باللهجة المغربية - الذي يستقبل فيه الضيوف. إشارة أخرى تؤكد هذه الأهمية تتجلى في أن من أعراف التهنئة أو العزاء - على السواء - ان يقدم المغربي أو المهنئ للمعني بالمناسبة جراباً من السكر يحتوي على واحد وثلاثين قالباً من فئة كيلوغرامين. هذه القوالب التي تعدها معامل السكر المغربية على شكل "صواريخ" صغيرة، لا يجوز اطلاقاً عند متذوقي الشاي اعداده من دونها على رغم وجود أنواع أخرى إما على شكل مسحوق أو مربعات. ومع ان سعر السكر العادي أقل من سعر القالب بكثير، فإن المواطنين لا يقبلون عليها لإعداد شايهم المفضل. ونظراً الى الجهود والتكاليف التي يتطلبها تصنيع السكر على شكل قوالب، فقد شنت السلطات المغربية قبل سنوات حملة استخدمت فيها الاذاعة والتلفزيون لتشجيع المواطنين على استعمال مسحوق السكر بدل القالب. ولكنها كانت حملة بائسة خصوصاً في الأرياف التي يرفض سكانها حتى الآن الاستغناء عن "صواريخهم" البيضاء في تحضير الشاي. وكانت استعادة المغرب لمنطقة الساقية الحمراء ووادي الذهب في العام 1976 مناسبة مواتية لتكريس عادة شرب الشاي في المغرب، اذ يعتبر سكان الصحراء في طليعة مستهلكي الشاي الأخضر، وليس سراً ان جلساته عند بعضهم تستمر طيلة ساعات الصباح في انتظار وقت الغذاء، أو طيلة المساء في انتظار طعام العشاء. واذا كان الشاي الأسود يكاد يكون نادراً عند أغلب المغاربة، فينبغي التذكير بأن الشاي الصحراوي اللذيذ يعتمد، بالاضالة الى الماء طبعاً، على عنصرين أساسيين هما: الشاي الأخضر الرفيع، وسكر القالب من دون استعمال النعناع وذلك ضمن طقوس خاصة يبرع فيها سكان الصحراء. فمن شروط الحصول على مشروب فعال، ان يكون الماء قد غلي على الفحم بتؤدة وهدوء، ولا وجود لوابور الغاز في اعداد الشاي الصحراوي على الإطلاق. هذا الحضور القوي للشاي، أو الأتاي كما يسمى في المغرب، دفع كثيراً من الشعراء والفقهاء إما للتغني بفضائله، أو ذكر مضاره. ومن الذين كتبوا في هذا الشأن على سبيل المثال: عبدالسلام بن محمد الأزموري المتوفى سنة 1279 ه/ 1824م له قصيدة في الشاي شرحها قاضي الرباط أبو حامد المكي البطاوري في كتاب سماه: "شرح الارجوزة الفائقة المستعذبة الرائقة"، ومطلع القصيدة: الحمد لله الذي أطعمنا من كل مطعوم به أكرمنا سليمان الحوات له منظومة في شرب الشاي ومنافعه مطلعها: دعوا شربكم للخمر فالخمر مسكر وفي الشرع كل المسكرات حرام محمد المأمون الكتاني 1309ه/ 1891م له قصيدة في الشاي مطلعها: واصل شراب حليفة الأمجاد واترك مقال أخي هوى وعناد صفراء تسطع في الكؤوس كأنها من عسجد عصرت بأعصر عاد.