يجزم المراقبون للانتخابات الهندية، وهي الدورة 12 منذ الاستقلال قبل نصف قرن، ومن المقرر عقدها في الفترة الواقعة بين 16 شباط فبراير و6 آذار مارس المقبلين، ان نتيجتها ستكون التعادل وستكون "برلمان معلق" شبيه بالبرلمان السابق الذي لم يمض على انتخابه الا 18 شهراً وتم حله. وعلى رغم عزم صونيا غاندي 51 عاماً خوض هذه الانتخابات لصالح حزب المؤتمر الهندي كونها أرملة رئيسه السابق ورئيس الوزراء الراحل راجيف غاندي الذي اغتيل على أيدي متطرفين تاميل في العام 1991. بيد ان ذلك لن يغير من هذه الحقيقة سوى اضافة بعض المقاعد الجديدة للحزب الذي بدأ يفقد شعبيته وهو الذي استأثر بالحياة السياسية الهندية طوال 45 عاماً. ويعوّل أنصار صونيا على قبولها المشاركة في الحملة وهي التي رفضت قيادة الحزب رغم الاصرار المتواصل من قبل القيادة على تزعمه عقب مقتل زوجها. ويعرف أنصار الحزب ان السيدة الايطالية الأصل لا تتمتع بخبرات سياسية ولا قدرة على دخول أوحال السياسة الهندية ولا تتمتع بميزات سوى اقترانها بالعائلة الغاندية التي دخلت قلوب الهنود. ويصفها المقربون منها أنها قارئة نهمة وشحيحة الكلام، وتتقن عدة لغات بينها الهندية، ويأمل أنصار الحزب ان تتمكن صونيا من ضخ دماء جديدة في شرايين الحزب خصوصاً بعد فشل زعيم الحزب سيتارام كيسري 83 عاماً من الفوز بمقعد في الانتخابات الماضية. كما ان سياسة التشرذم طاولت الحزب وعطلت من أدائه. وبانضمام صونيا يأمل أتباع الحزب بتوحيده بل يراهنون على قدرتها في جذب الاحزاب المحلية التي ستؤثر على مسار تشكيلة التحالفات السياسية للحصول على مزيد من المقاعد ونيل حق تشكيل الحكومة المقبلة. ولعل نقطة ضعفها ما أثارته الاحزاب المنافسة كونها أجنبية، الى جانب قضايا الفساد التي التصقت بزوجها والى إدانة زعيم المؤتمر ناراسيما راو، الذي خلف راجيف، بالفساد. تقررت الانتخابات في أعقاب سحب حزب المؤتمر دعمه لحكومة الجبهة المتحدة المكونة من أحزاب يسار الوسط بقيادة رئيس الوزراء أندر كومار كوجرال لرفض الأخير قبول شرط شريكه حزب المؤتمر بطرد الحزب التاميلي DMC من الائتلاف الحكومي لتورطه حسب تقرير لجنة القاضي جين بإصدار الأوامر للتاميل المتطرفين بقتل رئيس الوزراء السابق. ويبدو ان المؤتمر فوجئ برفض الجبهة طلبه وإعلانها الاستقالة. فالحزب لم يكن يرغب بعقد مثل هذه الانتخابات في هذه الظروف. فاستطلاعات الرأي لا تمنحه أكثر من مئة مقعد وهو ما يعني تراجعه في عدد مقاعد البرلمان التي وصلت الى 112 مقعداً في البرلمان الأخير. لكن هذا الاستطلاع اجري قبل قرار صونيا بالمشاركة في الحملة الانتخابية. المؤكد ان قيادة حزب المؤتمر في نهاية التسعينات لا تتطابق مع ما كان عليه أيام قيادته من قبل اندير غاندي في الثمانينات ولا حتى أيام راجيف، اذ يعتقد البرفيسور فرانسيس فرانكل من جامعة بنسلفانيا وهو المتخصص بالشؤون الهندية "ان قيادة العائلات ولى". ويقول عالم الاجتماع الهندي سرينيفس: "اذا فشلت صونيا في الإبحار بالحزب فسيكون ذلك نهاية العائلة سياسياً". ويتنافس على هذه الانتخابات ثلاث قوى سياسية رئيسية هي حزب المؤتمر وحزب جاناتا بارتي الهندوسي المتطرف أي حزب الشعب الهندي والجبهة المتحدة. ويدعو جاناتا بارتي الى الهندوسية وان الهند للهنود ما يضر بسمعة الدولة، بل ويأتي على الشرعية والدعوة العلمانية التي قامت عليها قبل نصف قرن. وخاض مسلمو الهند مع هذا الحزب تجارب مريرية في العام 1992 حين أقدم محازبوه على تدمير المسجد البابري الأثري والتاريخي في منطقة أيودهيا من أجل بناء معبد رام المزعوم. وعلى رغم الاشارات التي أرسلها قادة الحزب في الآونة الأخيرة للمسلمين إلا ان الأخيرين لا يثقون بمثل هذه الوعود الانتخابية. ويتوقع ان يفوز الحزب ب195 - 235 مقعداً من المقاعد الانتخابية. وقفز الحزب من مقعدين فقط في أول مشاركة انتخابية له في العام 1985 الى 169 مقعداً في انتخابات 1996 ما يؤكد ان البلاد تتجه نحو التطرف والمتطرفين خصوصاً بعد انضمام شخصيات سياسية ومثقفة وضباط متقاعدين ومنهم العالم المشهور إم جي كي مينون للحزب. ويشكك الكثيرون في قدرته على تشكيل الحكومة لأنه بحاجة الى 272 مقعداً من أصل 545 وهو عدد مقاعد البرلمان الهندي لوكا صبحة، ومن الصعب ان تدخل الاحزاب الهندية في ائتلاف معه لنظرته الشوفينية وتطرفه العنصري. أما الجبهة المتحدة التي تشمل 13 حزباً فيتوقع ان تفوز بحوالى 160 مقعداً وربما يحصل بعض المساومات بينها وبين حزب المؤتمر من أجل قطع الطريق على وصول الحزب المتطرف الى السلطة. ولدى الجبهة تصور براغماتي للاحداث وطرأ تطور ايجابي على علاقات العدوين اللدودين الهند وباكستان في أعقاب وصولها للسلطة. وتعد هذه الانتخابات من أصعب ما شهدته كبرى الديموقراطيات العالمية، فهي تأتي في وقت تراجعت فيه سياسة الاحزاب الكبيرة العتيدة وحلت محلها سياسة الائتلافات الحزبية وهو ما لا يسلم به حزب المؤتمر. وسيشارك في هذه الانتخابات 600 مليون مقترع ويتنافس على مقاعد 545 حوالى 43 حزباً وآلاف المرشحين وسيشرف عليها 5 ملايين موظف موزعين على 900 ألف قلم انتخابي.