انتخابات المجلس التشريعي لولاية بيهار -إحدى كبريات الولاياتالهندية- تمخضت نتائجها الإثنين الماضي عن فوز ساحق ل «التحالف الأعظم» الذي يتكون من حزب «جاناتا دال يونائيتيد» (JDU) وحزب «راشتريا جاناتا دال» (RJD) وحزب «المؤتمر الوطني» (INC)، وعن هزيمة للائتلاف الديموقراطي الوطني بقيادة حزب «بهارتيا جاناتا» الحاكم في نيودلهي. تحمل هذه النتائج أهمية قصوى في سياق الهند الوطني لأنها ترمز إلى رفض الشعب البيهاري سياسة الاستقطاب الديني التي لجأ إليها حزب «بهارتيا جاناتا» سعياً للوصول إلى السلطة في ولاية بيهار وتمهيداً للفوز في الولاياتالهندية الأخرى، في الانتخابات العامة لمجالسها التشريعية في عامي 2016 و2017 المقبلين، وربما تمثل هذه النتائج تراجعاً لحزب «بهارتيا جاناتا» على المشهد السياسي الوطني. قد يكون من الصعب الجزم بذلك، لكن هذه النتائج أثلجت بلا شك صدور القوى التقدمية والديموقراطية في الهند المناوئة لسياسة الاستقطاب الديني التي يمارسها الحزب الحاكم بقيادة ناريندرا مودي. جرت متابعة هذه الانتخابات باهتمام في عموم الهند، لأن حزب «بهارتيا جاناتا» لم يدّخر وسعاً في كسب أصوات الناخبين، وقد خاطب رئيس الوزراء ناريندرا مودي الحشود 26 مرة أثناء الحملات الانتخابية التي استغرقت شهراً ونصف الشهر والتي جرت تغطيتها على نطاق واسع في وسائل الإعلام. كان رئيس الوزراء يقود بنفسه الحملة الانتخابية للائتلاف الديموقراطي الوطني الذي يقوده حزب «بهارتيا جاناتا» في مقابل «التحالف الأعظم» الذي تشكل من أحزاب إقليمية مثل حزب «راشتريا جاناتا دال» بقيادة السيد لالو براساد ياداف وحزب «جاناتا دال يونائيتيد» بقيادة السيد نيتيش كومار رئيس وزراء بيهار حالياً، وحزب «المؤتمر الوطني» أقدم الأحزاب الهندية. وأعلن التحالف الأعظم المسمى ب «مها غاتباندهان» قبل الحملة الانتخابية أن السيد نيتيش كومار سوف يكون مرشحه لمنصب كبير الوزراء إذا ما حقق التحالفُ النصرَ في الانتخابات. يذكر أن الكتّاب والفنانين البارزين في الهند باشروا برد الجوائز والأوسمة إلى الحكومة، تعبيراً عن سخطهم من تفاقم أحداث اللاتسامح في المجتمع، ومحاولة القوات اليمينية المتطرفة خنق الحرية الدينية وحرية التعبير مع صمت الحكومة المركزية إزاءها. واتخذت هذه العملية شكل حركة واسعة، إذ عبّر حتى الآن أكثر من 50 أديباً وكاتباً وفناناً ينتمون إلى عوالم الأدب والفن والسينما عن غيظهم مما وصفوه ب «صعود اللاتسامح» في المجتمع على نحو خطير مما يهدد النسيج التعددي والديموقراطي للهند، والذي تبلور في اغتيال عدد من العلماء المكافحين ضد الأوهام والخرافات ومقتل المواطن الهندي أخلاق أحمد بتهمة ذبح بقرة وتناول لحمها... وغير ذلك من الأحداث التي كان لها صدى واسع في الإعلام الهندي وخارجه. وفي سياق الانتخابات العامة في ولاية بيهار، تنبغي الإشارة إلى بيانات لبعض زعماء حزب «بهارتيا جاناتا» تنم عن تصوّرهم الضيّق للمواطنة من جهة وحقدهم على المسلمين من جهة أخرى، مثل بيان النائب آدتيا ناث يوغي من حزب «بهارتيا جاناتا»، الذي نصح «شاه روخ خان» أحد أكثر نجوم السينما الهندية شهرة بأن يهاجر إلى باكستان، وذلك رداً على تعليق الأخير حول تفاقم اللاتسامح في المجتمع الهندي في الآونة الأخيرة، كما صرح السيد أميت شاه رئيس حزب «بهارتيا جاناتا» أثناء خطابه في بيهار قبل أيام من الجولة الأخيرة للانتخابات، أنه إذا ما فشل حزبه في انتخابات بيهار فسيجري الابتهاج في باكستان، قاصداً أن الذين لا يصوتون لحزب «بهارتيا جاناتا» هم مؤيدون لباكستان، هذا عدا عن البيانات والخطوات التي قام بها زعماء الحزب الحاكم والساعية إلى شحن الجو السياسي بالطائفية من أجل الاستقطاب السياسي، والتي لقيت استنكاراً شديداً من المجتمع المدني، وبدأ المحللون السياسيون يجهرون بالقول إن النتائج هي رفض صريح لسياسة الاستقطاب الديني في الهند. وعبر نائب رئيس حزب المؤتمر الوطني السيد راهول غاندي ابن السيد راجيف غاندي رئيس وزراء الهند السابق، عن ارتياحه الكبير لفوز «التحالف الأعظم» -الذي حزبه جزء منه-، لأن ذلك دليلاً صريحاً على رفض ناخبي بيهار سياسة الحقد والكراهية وتقسيم الشعب على أساس الدين التي يمارسها الحزب الحاكم على حد تعبيره. وقال السيد شاهجهان مادامبات الناقد الثقافي والمحلل السياسي البارز، إن هذه النتائج المدهشة ترمز، في ما ترمز، إلى مدلولات سياسية واسعة المدى، حيث إن ولاية بيهار تقود الطريق هذه المرة أيضاً في نهضة سياسية جديدة ضد سياسة الاستقطاب الديني التي يمارسها الحزب الحاكم، الذي يسعى إلى تنفيذ برنامج منظمة «آر أس أس» الهندوسية، كما أنارت الطريق للقوى الديموقراطية العلمانية لتتحالف وتتكتل ضد الحزب الحاكم على مستوى عموم الهند، وقال أيضاً إن ولاية بيهار كانت نقطة انطلاق الكثير من الحركات السياسية الثورية، بدءاً من ألمهاتما غاندي الذي بدأ كفاحه لاستقلال الهند من بيهار، ثم شهدت بيهار انطلاق أعظم الحركات السياسية والاجتماعية بعد الاستقلال من أجل العدالة الاجتماعية بقيادة جاي براكاش نارايان ورام مانوهار لوهيا، كما أن بيهار أوقفت مسيرة لال كريشنا أدواني لبناء معبد راما في أيودهيا على موقع المسجد البابري، وعليه فإن الفوز الساحق للتحالف الأعظم في ولاية بيهار يبشر بعودة القوى السياسية الديموقراطية والعلمانية إلى المشهد السياسي الوطني. وأسفرت النتائج عن هزيمة نكراء لحزب «بهارتيا جاناتا» الذي حصد 53 مقعداً بينما حصدت الأحزاب المتحالفة معه 5 مقاعد فقط وفي المقابل حصد التحالف الأعظم 178 مقعداً، منها 80 مقعداً لحزب «راشتريا جاناتا دال» بقيادة القائد الكاريزمائي لالو براساد ياداف، و71 مقعداً لحزب «جاناتا دال يونائيتيد» بقيادة المرشح لمنصب رئيس الوزراء السيد نيتيش كومار، و27 مقعداً لحزب المؤتمر الوطني أقدم الأحزاب الهندية الذي حكم الهند منذ الاستقلال. ويتكون المجلس التشريعي لولاية بيهار من 243 مقعداً، وعليه فإن فوز التحالف الأعظم ب178 مقعداً يشكل أكثر من ثلثي الغالبية. * كاتب من الهند