لم يهزم برد "طوبة" ولا موسم الامتحانات عشاق السهر في القاهرة في ليالي رمضان، من حي السيدة إلى منطقة الحسين بمقاهيهما الشعبية، إلى المهندسين والدقي والفنادق المطلة على النيل بمقاهيها الخمس نجوم. وكالعادة، فإن ليالي رمضان لا تخلو من المرح والتقاليع. ففي العام الحالي زاد إقبال الفتيات على لعب الطاولة وتدخين الشيشة بمذاق التفاح. ونافس مطربو مقاهي الحسين "مطرب الاخبار"، تلك الشخصية الكاريكاتورية المعروفة برداءة الصوت. وفي منطقة الحسين، يبدأ السهر بعد رفع موائد الإفطار التي تسد الميدان. وترفع المقاهي الكبيرة مثل "الفيشاوي" و"وليّ النعم" و"المالكي" شعار كامل العدد. أما المقاهي الصغيرة والبعيدة عن الميدان، فتشكو قلة الزبائن. وفي أشهر مقاهي القاهرة "الفيشاوي" الذي يطلق عليه لقب "أم المقاهي"، يقول السيد ضياء الفيشاوي، أحد أحفاد الفيشاوي الكبير، ان الازدحام في العام الحالي لا يختلف عن الأعوام السابقة، لكن، قلّ عدد السيّاح العرب بسبب امتحانات نصف العام، اضافة إلى استمرار الآثار السلبية لحادث الأقصر. ومن الظواهر اللافتة انتشار المطربين في مقاهي الحسين، فكل منهم يحمل عوداً، ويجول بين الزبائن، بعضهم يتمتع بحلاوة الصوت وموهبته اللتين تعيدانه إلى بيته كل ليلة محملاً بالأموال. إلا أن الغالبية تتميز بخشونة الصوت ورداءته، لكن، لحسن الحظ فان الضجيج النابع من صوت الزبائن والسيارات، يغطي على أصوات المطربين. ولوحظ كذلك اندثار محلات بيع الكتب التي كانت تتنافس على جذب الزبائن بخفض الأسعار. وعلى مقربة من النفق الواقع بين الأزهر والحسين، تقف "أم حنان" أشهر بائعة لحمص الشام، ويتوافد عليها الناس بحثاً عن الدفء الذي يبعثه كوب الحمص المشهور. لكن الصورة تختلف في مقاهي الدقي والمهندسين، فهي مقاهٍ أكثر أناقة، والمطربون تصحبهم فرق وآلات غربية، والمشروبات لا تختلف عن مشروبات السيدة والحسين، إلا في أسعارها التي تزيد بأضعاف. ومع انتصاف الليل وشدة برودة الجو، يخف الزحام شيئاً فشيئاً، ويبقى قليلون لتناول طعام السحور الذي يكون عادة وجبة من الفول المدمس سواء في الحسين أو في المهندسين، ولكن تفصل بينهما الأسعار ايضاً. ومع أذان الفجر، تكون الجموع عادت إلى منازلها طلباً للراحة، والاستعداد لاستقبال يوم جديد من رمضان.