منذ تخرجه من المعهد العالي للفنون المسرحية بدمشق، والفنان جلال شموط يعيش الحالة الفنية التجريبية الحافلة بالبحث عن تلك الصيغة المؤدية الى الجمع بين جماهيرية العمل الفني وعمق الطرح الثقافي الجاد عبر ادوات شديدة المعاصرة اذا امكن. وهذا ما دفعه لدراسة التوضيب المسرحي في فرنسا، الاختصاص التكنولوجي الذي يبحث في ا لحلول العملية للتصور الاخراجي، واضعاً نفسه في قلب معادلة صعبة بين ما هو ممكن وما يجب ان يكون. من جهة اخرى استطاع ان يحصد، كممثل، تلك القناعة به عبر تجارب اثبتت حضوره في السينما والتلفزيون حيث قدم ادواراً اطلقته كممثل جميل الحضور متمكن الصنعة، ففي مسلسل "الاخوة" قدم دور الاخ الاصغر المعدوم التجربة في اطار كوميدي باسم، ثم قدم في مسلسل "المحكوم" دور الشاب الانتهازي الذي يثير الحقد على امثاله، اما في مسلسل "دمشق يا بسمة الحزن" فقد أدى دور الشاب الثائر على الاحتلال الفرنسي... وغيرها الكثير من الادوار التي قدمته كممثل صاحب بصمة واعدة. واليوم يجدّ جلال شموط في البحث عن صيغته الفنية متوسلاً التجربة العملية من خلال "شيء ما للذكرى" العمل المسرحي الذي اعده عن قصص قصيرة، في محاولة لادخال طاقاته المختزنة في خضم المختبر المسرحي الذي يحلم به. الى اي مدى يعتبر الفنان صاعداً ومتى تعتقد بأنه استقر في مداره النجومي؟ - اولاً لا يوجد ما يسمى فناناً صاعداً. ولأن الفنان هو نتاج تفاعل اجتماعي وحضاري بغض النظر عن شكل الفن المُقدم، فهو منعكس واقعي غير طبيعي لمجتمعه. من هنا اعتقد بأن تطور الفنان مرتبط بالتبدلات الاجتماعية التي تطرأ على مجتمعه سواء كانت هذه التبدلات فكرية أو حضارية أو حتى سياسية واقتصادية. لذا أرى صعود الفنان على المستوى الجمهوري مرتبطاً ارتباطاً وثيقاً بالقيمة الاجتماعية التي يقدمها من خلال عمله والتي تتناسب طرداً مع التبدلات الاجتماعية، حتى يصل الى مصاف القدوة الاجتماعية ضمن نخبة من الفنانين الذين يحملون لواء الاطروحة الجديدة للمجتمع. من خلال هذه المسؤولية يمكننا القول ان فلان نجم، اي انه نجم اجتماعي صاحب قول حضاري ذي منعكس اقتصادي فعال في البيئة الجماهيرية. هل يمكن توضيح ربطك السابق بين النجومية وبين الحالة الاقتصادية؟ - العمل الفني عمل جماعي، خصوصاً العمل الدرامي سواء كان مسرحاً او تلفزيوناً او سينما. وضمن الية التطور المطروحة لنهاية القرن العشرين الاقتصادي بمعنى ان الاقتصاد هو الاساس الاجتماعي بعد تدهور الايديولوجيات الفكرية لا يمكننا ان ننسى صناعة الدراما. ولكل صناعة منظومة تقدم عليها اساسها المادة المسوقة... من هنا نرى ان المادة المسوقة في العمل الدرامي هي الممثل اولاً، ولذلك نرى ايضاً اهمية صناعة النجم كمواكبة عالمية تحمل افكاراً ومقولات تعكس آلية تفكير المجتمع المنتمي اليه. التوضيب المسرحي الذي درسته في فرنسا هل له موقع عملي في سورية ام ان المسألة زيادة في الاطلاع فقط؟ - بعد عودتي من فرنسا ودراستي لما يسمى Regie General du Spectacle الادارة التقنية للعرض الفني كان لا بد من عمل مقاربة واقعية لهذا الاختصاص على واقع المسرح السوري لوجود اختلاف جذري بين طقوس العمل لبناء العرض المسرحي الغربي وطقوس العمل لبناء العرض المسرحي السوري، ابتداء من الآلية الانتاجية وانتهاء بشكل العرض والتعامل الجماهيري معه. هذه المقارنة كانت قائمة على تفهمي لواقع المسرح السوري والخبرة المكتسبة لطريقة بناء العرض الغربي، وتكمن في تفهم الآلية الانتاجية الروتينية والمعطيات التقنية المتواضعة وخيال المخرج الطامع للوصول الى شكل عرض عالمي. كان لا بد لي من ايجاد توليفة تمكننا في النهاية من صناعة عرض فني. طبعاً لا أطالب المسرح السوري بأن ينقاد وراء طقوس بناء العرض المسرحي الغربي، فالمنطق الاجتماعي للتعامل مع المسرح حتماً مختلف. ويكمن هذا الاختلاف في النظر الى اهمية المسرح كطقس اجتماعي. لنعرف مثلاً ما تقدم مديرية المسارح التابعة لوزارة الثقافة من تمويل دائم للمسرح الجاد في سورية وهي الجهة الوحيدة التي تقوم بذلك! وأرى ان هذا العبء ثقيل على مؤسسة وحيدة لتمويل المسرح، والمشكلة تكمن في عدم وجود تمويل خاص. واعتقد بأن هناك سببين: اولاً عدم وجود منتج جريء، وثانياً ان آلية دوران رأس المال في المسرح ابطأ من أية دورة رأس مال اخرى وهذا يتنافى مع آلية تفكير المنتج المحلي. لذلك ومن خلال تجربتي المسرحية القادمة، حيث اقوم حالياً بالتحضير لاخراج مسرحية "شيء ما للذكرى" فانني اعتمد كلياً على ترجمة هذه التوليفة في عرض يقوم على مجموعة من القصص القصيرة والمونولوجات الداخلية ترتبط في ما بينها بحالة انسانية تحاكي المجتمع البشري عموماً وتتيح للممثل ابراز طاقاته الانفعالية من خلال تجسيد شخصيات مختلفة. الشكل الاساسي للعرض هو مجموعة من المشاهد لشخصيات واقعية بظروف غير واقعية، وأحياناً غير طبيعية او حتى منطقية. وتخدم هذه المشاهد لوحات مجسدة تترجمها بشكل تعبيري ومحاطة كلها بإطار تقني يكرس حالة الفرجة المسرحية. هذا العرض بلا ديكور ويعتمد اساساً على ليونة الممثل وجسده والتعبير الصوتي كمنعكس لمونولوجه الداخلي بالاضافة الى مجموعة من الاكسسوارات والأزياء البسيطة. أين ترى نفسك في مهنة التمثيل عبر تنوع اختصاصاتها: مسرح، سينما، تلفزيون... أم ان المسألة متروكة لفرص العمل؟ لعبة التمثيل لعبة ممتعة جداً، الا ان شكل اللعب من حيث تقنية الأداء يختلف. فعند أداء شخصية ما درامية على الخشبة بخط متصل ومستمر، فانك ترافق تطور الشخصية وصعودها الدرامي من موقعك كممثل بكم من المتعة ما يكفي لادمان هذا الشكل في الأداء سيما الاتصال المباشر مع الجمهور في الصالة. وبشكل مختلف تماماً، فان الاداء السينمائي أداء مجهري بمعنى ان اهمية الجسد كحالة أداء توازي اهمية الاجزاء الصغيرة في هذا الجسد كالعين والاطراف ضمن شرط التقطيع المشهدي والربط النفسي لتطور الشخصية مع الاخذ بعين الاعتبار الفارق الزمني بين اللقطة والاخرى. والعلاقة مع التلفزيون علاقة خطيرة جداً، فمن خلال هذا الجهاز تقدم نفسك لشريحة اعرض ضمن الوسيلة الخطيرة التي هي الجهاز الموجود في كل منزل... اي انها حالة اختراق أسري. اذن لا بد ان تكون عند حدود هذه المسؤولية وضمن طريقة أداء كاملة المزج بين المسرحي والسينمائي كما ذكرنا اعلاه.