هناك شخصيات عربية أسطورية في حكمتها وقدرتها على حمل رسالة الخير والمحبة والتسامح والدعوة للتعايش والتمسك بالقيم والتعاليم السمحة ونبذ كل ما يتسبب في اثارة الفتن واشاعة اجواء الفرقة والتشرذم والخلافات غير المبررة. من بين هذه الشخصيات التي تابعت نشاطها عن كثب وأعجبت بها وتأثرت بأسلوبها وسمو اخلاقياتها الأخ الكبير الاستاذ نصري سلهب الذي كرمني بهدية غالية هي كتابه الجديد "الاسلام كما عرفته، دين الرحمة والسلام" الذي جاء في وقته المناسب. فمن جهة هناك حملات مغرضة ضد الاسلام ومحاولات لإثارة الفتن والخلافات الدينية والمذهبية، ومن جهة ثانية هناك دعوات خيرة للحوار الاسلامي - المسيحي وإبراز أوجه التشابه والتعاون وضرورات التفاهم والتعايش. ونصري سلهب لمن لا يعرف مسيحي ماروني لبناني، وأكره التصنيف الطائفي، ولكن موضوع الكتاب والمقال يستدعي لفت النظر الى هذه الصلة، لأنه داعية خير وحامل رسالة آمن بديانته وانفتح على الاسلام ليصبح واحداً من القلائل الذين يعالجون مثل هذه القضايا ويبرع في تقديم الحجج والبراهين وأركان رسالة المحبة والتسامح. فقد صدرت له من قبل كتب عدة في هذا المجال من بينها كتاب عن الرسول صلى الله عليه وسلم وآخر بعنوان "في خطى علي" وأهم ما يتميز به هذا المؤلف الفذ انه خبر كل دهاليز الحياة الدنيا الفانية، فتسامى عن اغراءاتها ومغانمها واختار طريق التسامي والروحانيات، وتقلب في مناصب عدة مغرية من بينها رئيس المجلس الأعلى للجمارك في لبنان، وسفير لبنان لدى الفاتيكان... وخرج منها نظيف اليد والسمعة واللسان، لم تمس يده الحرام ابداً على رغم كل ما نعرفه عن اغراءات المنصب الأول وما نشهده حالياً من فضائح وحالات فساد وافساد ورشاوى. من خلال هذه البانوراما الموجزة يمكن للقارئ الكريم تفهم سر اهتمامي بكتاب السيد سلهب وبشخصيته الفكرية المميزة وبغيره من الشخصيات الأسطورية التي لم تأخذ حقها من التكريم في أوطانها، وعلى النطاق العربي والاسلامي، مع ان ما قدمته لأمتها ولدينها أكبر بكثير من أي تكريم أو تقدير لأنه ينفع الناس وسيظل راسخاً في الأرض على مدى العصور والدهور. والكتاب الجديد، على رغم صغر حجمه، موسوعي في محتواه، وكأن المؤلف تحول الى جواهرجي بارع يصطاد اللآلئ والجواهر النادرة من صميم القرآن الكريم والسنّة النبوية المطهرة. وقد اختار فصولاً مثيرة يحتاج كل واحد منها الى مجلدات مثل: القرآن كتاب المسيحي والمسلم في آن، وموقع المسيحي في الاسلام، والمساواة، والاخلاق والصبر والعفو، ودين الاقناع لا الإكراه، ومدرسة الاحسان والجهاد والامان، والمرأة في الاسلام والحجاب. وتكفي بداية المسك في المدخل وفيها يقول المؤلف: "رأيت الاسلام فأحببته، وقبل ان أراه سمعت عنه. وما رأيت كان نقيض ما سمعت! فأدركت عندئذ معنى القول القائل: "بين الحق والباطل أربعة أصابع. فالحق ان تقول ما رأيت... والباطل ان تقول ما سمعت". كما أدركت مدى تجني الغرب على الاسلام فاذا هو قد حول جماله قبحاً، وطهره رجساً، وشجاعته ارهاباً، وايمانه كفراً، ورحمته ظلماً، واذا فضائله تصبح نقائص. والى الغد مع المزيد من الدرر. خلجة أقرأ كلماتك الحانية ولا أشبع ولا ارتوي وأحفظها عن ظهر قلب واردد معك: بقيت انتظرك وأنا انتشل مقلتي من دمعي لأغرقها في حزني؟