بعد انتظار ما يزيد على 7 عقود تلت قصف مدينة هيروشيما اليابانيّة بقنبلة ذريّة، اعتمدت الأمم المتّحدة أول معاهدة دولية لحظر الأسلحة النوويّة، وتبنّتها 122 دولة في مطلع تموز (يوليو) 2017. تعتبر المعاهدة خطوة مهمة لبلوغ عالم خالٍ من الأسلحة النوويّة التي تمثّل أخطر أنواع أسلحة الدمار الشامل. وتشمل القنابل الذريّة التي تعتمد على انشطار نواة الذرّة في توليد طاقتها التدميريّة (وتنتمي قنبلة هيروشيما إلى هذه الفئة)، وكذلك القنابل النوويّة التي تستعمل طاقة الانشطار النووي أداة لإدماج أنوية الهيدروجين سويّاً، ما يولّد كميّات مذهلة من الطاقة تفوق كثيراً قوّة الانشطار الذريّ. بقول آخر، القنبلة النوويّة هي قنبلة ذريّة أضيف إليها خزّان من غاز الهيدروجين الذي تندمج أنوية ذرّاته مع بعضها بعضاً تحت تأثير انفجار القنبلة الذريّة، كي تتولّد فيوض ضخمة من الطاقة المدمّرة. وبقول مجمل، تستطيع الأسلحة الذريّة (سواء بالانشطار أو الاندماج) تدمير مدن بأكملها وتحويلها أنقاضاً، مع إفناء ساكنتها وحيواناتها ونباتاتها وكل أشكال الحياة فيها. وإضافة إلى الدمار بالطاقة الانفجاريّة، تصدر تلك الأسلحة كميات ضخمة من الأشعة الذريّة التي تبيد البشر والكائنات الحيّة كلها، بل أنها تتلبّث في الأجساد والتربة والحجارة، ما يميت البيئة بأكملها ويجعلها جحيماً نوويّاً مشعاً يتكفل بالقضاء على أشكال الحياة كلها، ولآجال مديدة تالية. وحدث ذلك فعليّاً في القصف الأول بالسلاح الذري لمدينتي هيروشيما وناغازاكي اليابانيتين، على يد الولاياتالمتحدة قبيل نهاية الحرب العالمية الثانية. رؤوس الفناء وانتشارها العميم تؤكد تقارير عسكريّة أن حجم الترسانة النوويّة عالميّاً مرعب تماماً. إذ تملك روسيا ما يزيد على 7500 رأس نووي، وتليها الولاياتالمتحدة (7200 رأس) وفرنسا (300) والصين (260) وبريطانيا (215) والهند(130) وباكستان (120) وإسرائيل (80) وكوريا الشماليّة (20). ويؤكد تقرير ل «المجلة الدوريّة لعلماء الذرّة» The Bulletin of the Atomic Scientists أنّ الأعداد الفعليّة للرؤوس النوويّة ربما يفوق الأرقام السابقة. إذ يرجح أن يكون لدى روسيا 8500 رأس نووي، والولاياتالمتحدة 7700 رأس، مشيراً إلى أنّ الترسانة النووية الموضوعة في الخدمة فعليّاً تضم 1800 رأس نوويّ في روسيا، و1930 رأساً في الولاياتالمتحدة. ووفقاً لتقديرات «معهد استوكهولم الدولي لبحوث السلام» Stockholm International Peace Research Institute ، وصل عدد الرؤوس النوويّة عالميّاً إلى 15850 رأساً، في مطلع 2015. ولا يقتصر انتشار السلاح النووي على الدول التي تمتلكه، بل يشمل 5 دول (بلجيكا وألمانيا وإيطاليا وهولندا وتركيا) لا تملك برنامجاً لصنع السلاح النووي، لكنها تحتضن أسلحة نووية أميركيّة على أراضيها بحكم انتمائها إلى حلف ال «ناتو». ويضاف إلى ذلك، وجود أسلحة نوويّة أميركية في 23 دولة أخرى (تشمل ألبانيا وأستراليا وبلغاريا وكندا وكرواتيا والتشيخ والدنمارك واليونان وهنغاريا واليابان وإسبانيا وكوريا الجنوبيّة) في سياق اتفاقات تعتبرها «وسيلة لتعزيز الأمن». وهناك مجموعة أخرى من الدول تمتلك مفاعلات نوويّة يفترض أنها مخصّصة للأغراض السلميّة، لكن ذلك لا ينفي إمكان تطويرها لتصبح قادرة على صنع قنابل ذرية فتاكة، وفق تأكيدات وردت أخيراً في «المجلة الدوريّة لعلماء الذرّة». إبادة بشرية شاملة هناك مجموعة من الوقائع المتعلّقة بالأسلحة النوويّة وردت أخيراً في مقابلة أجرتها مجلة «غلوبال ريسيرتش» Global Research مع ستيفن ستار (عالِم بارز في منظمة «أطباء من أجل المسؤولية الاجتماعية»، وشريك في «مؤسسة السلام في العصر النووي»)، وغريك ميلو (المدير التنفيذي ل «مجموعة دراسة لوس ألاموس»، وهي منظمة مختصة في البحوث عن أخطار الحرب النوويّة). وورد في المقابلة أن الولاياتالمتحدةوروسيا تمتلكان 3500 سلاح نوويّ استراتيجيّ بقوّة تفجير لا تقل عن 100 كيلوطن من مادة ال «تي أن تي» المتفجرة. وكذلك يمتلك البلدان 4600 سلاح نووي احتياطيّ. وبقول آخر، تملك روسيا وأميركا أسلحة نوويّة فعليّة تكفي لضرب معظم المدن الكبرى فيهما، مع ملاحظة وجود قرابة 300 مدينة كبيرة يقطنها ما يزيد على مائة ألف نسمة في الولاياتالمتحدة، و200 مدينة كبيرة في روسيا. وفي حال استخدمت تلك الأسلحة، يُقتلُ في الساعة الأولى قرابة ثلث السكان في روسياوالولاياتالمتحدة. وبعد أسابيع قليلة، تتكفّل الإشعاعات القاتلة بإفناء قرابة نصف السكان في البلدين. وفي حال تبادل القصف النووي بين روسياوالولايات المتحدّة، تتولّد من العواصف النوويّة أيضاً طبقة ضخمة من دخان ثقيل يتمدد في طبقة ال «ستراتوسفير» في الغلاف الجوي، ما يؤدّي إلى حجب معظم أشعة الشمس من الوصول إلى سطح الأرض. وفي تلك الحال، تسود برودة هائلة الكرة الأرضيّة كلها تشبه ما كانته الحال في العصر الجليدي. وتسمّى تلك الحال «الشتاء النووي» الذي ربما يستمر 10 سنوات على الأقل، مع بروز خطر مجاعة بشريّة شاملة في أقل من عامين. ويعتبر ذلك أحد العواقب البيئيّة الطويلة الأجل للحرب النووّية العالميّة، في حال حدوثها. هناك موت عميم في ثنايا تلك الصورة، ربما فاق ما عرفته الكرة الأرضيّة في تاريخها كله. ماذا لو...؟ في السنتين الأخيرتين، برز خطر حدوث اشتباك نووي بين الولاياتالمتحدة وكوريا الشماليّة. وفي ذلك السياق، حذر وزير الدفاع الأميركي السابق ليون بانيتا، من مغبة إقدام واشنطن على ضربة استباقية لكوريا الشماليّة، مشيراً إلى خطورة اندلاع حرب نوويّة تزهق أرواح الملايين. وفي الإطار عينه، قدّرت صحيفة «دايلي ستار» أن قرابة 61 ألف نسمة ربما يموتون في ضربة نوويّة بين واشنطن وبيونغيانغ، إضافة إلى وقوع 65 ألف نسمة ضحايا إشعاع حراري يتسبّب لهم بحروق من الدرجة الثالثة تكون فائقة الخطورة. مساعٍ حثيثة ومتواصلة كذلك أكد ديني روي، وهو خبير أميركي في القضايا النوويّة، أنه إذا كانت لدى كوريا الشماليّة تكنولوجيا أكثر تطوراً فإن صواريخها ربما تمكّنت من ضرب واشنطن ونيويورك متسبّبة في موت 130 ألفاً و210 آلاف نسمة في المدينتين على التوالي. في نفسٍ مُشابِه، ارتأى العالِم النووي ستيفن ستار أنه في الساعة الأولى من تبادل القصف النووي بين واشنطن وموسكو، يصل عدد القتلى إلى عشرات الملايين، بل إن تلك الأعداد لن تكون سوى بداية مروّعة لفناء نووي واسع. وحيال الأخطار الرهيبة للأسلحة النوويّة، سعت الأممالمتحدة منذ تأسيسها إلى القضاء التام عليها، وهو ما حمله القرار الأول لجمعيتها العامة في العام 1946. وتضمن القرار تشكيل لجنة لدراسة المشاكل التي تعيق التخلّص من السلاح النووي، بل أسلحة الدمار الشامل كلّها. وشهد العام 1968 توقيع «معاهدة عدم انتشار الأسلحة النوويّة» التي تلزم الدول كلّها بعدم نقل التكنولوجيا النوويّة إلى دول أخرى، والامتناع عن تطوير ترساناتها من الأسلحة النوويّة (بل العمل على خفضها)، وعدم استخدام السلاح النووي في النزاعات المسلحة، إضافة إلى تكريس القدرات النوويّة للأغراض السلمية. ولحد الآن، وقّعت على تلك المعاهدة 191 دولة.