حينما تقف بسيارتك عند إشارة المرور في أحد الشوارع للمدن الكبرى في السعودية، يلفت انتباهك صورة الإعلان الموجود أمامك، وترفع بصرك للأعلى للتأكد إن كانت أضيئت الإشارة الخضراء أم لا، تفاجأ بأن إعلاناً آخر يطل عليك، وخلال ثوانٍ تجد نفسك محاصراً من كل الجهات بإعلانات متنوعة وبأحجام مختلفة، ولا يقف الأمر إلى هذا الحد، فمادمت أنت في سيارتك فأنت ملزم بمشاهدة هذه الإعلانات المنتشرة على الأرصفة وأعمدة الكهرباء والشوارع والمباني السكنية. كل هذه الإعلانات على رغم أنها تعكس مدى تطور قطاع الإعلان تعد تلوثاً بصرياً وأمراً غير منظم، كما أنه لا توجد مواصفات ومعايير للإعلان الخارجي أو توزيعها بشكل يريح النظر ويحقق الفائدة من الإعلان، بعض الأرصفة في الشوارع تكاد تمتلئ بلوحات الإعلانات ذات المقاسات المختلفة ولا تعرف من أين تبدأ؟ وتكتفي بأن تشاهد هذه اللوحات وأنت تمتعض من هذا التشويه، خذ مثالاً: كل الجسور الموجودة في الرياض تستغلها أمانة مدينة الرياض لتعليق برامجها وأنشطتها وهي توضع أسفل الجسر العلوي، خصوصاً تلك التي تكون من دون إشارات، وتعبر الانفاق فتفاجأ بوجود إعلان في أعلى الجسر عند مدخل النفق، وأحياناً هذه الإعلانات تسبب ارتباكاً مرورياً أو حوادث، خصوصاً إذا كان الإعلان يحمل أكثر من سطر وبخط غير واضح، ما يعني أنك ستضطر لقراءته حينما تقترب منه من مدخل النفق، هذا طبعاً واحد من الأمثلة، فإضافة إلى التشويه البصري فهو أيضاً قد يتسبب في حوادث مرورية. والحال كذلك لشوارع وميادين في جدة ومكة المكرمة، طغت المصلحة الخاصة على التنظيم. ويبدو أن المداخيل المرتفعة من هذه اللوحات لأمانات المدن دفعتها إلى الترخيص لعدد كبير من الشركات والمؤسسات، واعتبار أن الشارع كتاب مسموح للجميع أن يكتب فيه ليقرأه الجميع، من دون نظر إلى المعايير المطلوبة. بالله عليكم هل يمكن أن يحتل إعلان «حفائظ أطفال» بمساحة طويلة أسفل الجسر، مهما كانت قيمة الإعلان التجارية أو المالية وفي شارع رئيس؟! قد يقول البعض إن الإعلان مدفوع القيمة والشركة المصنعة تبحث عن أكبر عدد ممكن من المستهلكين، وأنا أتفق معكم، ولكن ألا توجد في الجهات الحكومية التي توافق على نشر هذه الإعلانات معايير ومواصفات محددة للنشر؟ الذي يشاهد الشوارع والميادين في السعودية يرى كثافة حجم الإعلانات الخارجية والإقبال عليها، إنما بصراحة يستطيع أن يحكم بأن الطمع في زيادة المداخيل من هذه الإعلانات واللوحات واضح جداً من هذه اللوحات، أولاً لعشوائية وجودها على الأرصفة والطرقات وعدم الترتيب، ثانياً أنها تحتوي على «أي شيء» من دون مراجعة من جهات معنية. منظر هذه اللوحات يذكرنا بالمناطق العشوائية والأحياء العشوائية والمخططات العشوائية، والبسطات والمحال العشوائية، فلا عجب أن تكون لدينا لوحات وإعلانات طرق وأرصفة، أو في أن تكون الإعلانات الخارجية غير منظمة ومعروضة بطريقة مزعجة. قبل أشهر تحرك المجلس البلدي في جدة تجاه الإعلانات التجارية العشوائية وغير المصرحة رسمياً وطالب أمانة جدة بضرورة إزالة جميع الإعلانات العشوائية التي تظهر في الشوارع والأحياء، وأكد المجلس البلدي أهمية تنظيم العملية بحيث يحصل من يرغب في وضع إعلان، سواء كان إعلاناً تجارياً، أو لمناسبة خاصة، على إذن مسبق من الجهات المعنية، لاسيما أن اللوحات الإعلانية باتت منتشرة في بعض الأحياء، خصوصاً القديمة منها بصورة عشوائية وغير حضارية، وقد تسبب بعضها في إتلاف الممتلكات العامة، وحجب الرؤية، وعرقلة السير، ووقوع الحوادث، وبالأخص عند إشارات المرور وفتحات الالتفاف في الشوارع الرئيسة والفرعية. يجب أن نعترف بأن الإعلانات الخارجية مصدر جيد للأمانات والمحافظات وهي تعكس التطور الإعلاني والاقتصادي، كما تعد وسيلة لإيصال الرسالة إلى المجتمع، ومشكلة عشوائية وعدم تنظيم وترتيب اللوحات تشتكي منها معظم الدول والمدن الكبرى، والكثير من المدن ترسم لوحة وثقافة المجتمع، أما ما يحدث في الشوارع السعودية لهذه اللوحات فهو بالفعل طغيان واضح ودليل على عدم التنظيم، وأصبحت عملية الترخيص لكل من يدفع أكثر أو يحقق عائداً أكبر للأمانة! من دون نظر إلى الذوق العام، أو الرؤية الواضحة، أو كيفية وضعها، أو تركيبها. بعض الأمانات تحقق عوائد تزيد على 200 مليون ريال سنوياً من قيمة هذه الإعلانات، يتطلب الأمر إعادة تنظيم لهذا القطاع المهم الذي يعكس هويتنا وصورتنا للزائر والمقبل، فليس كل صورة وكلام مكتوب يتحول إلى إعلان. نحتاج إلى إبداع في الرؤية وفن الإعلان، وإلا فستتحول شوارعنا إلى كتاب مشوه الألوان. إعلامي وكاتب اقتصادي. [email protected] twitter | @jbanoon