لم يكن تبقى من شهر رمضان، إلا بضعة أيام، عندما جاء نبأ إلغاء «جوردان أووردز» لهذا العام. كانت رسالة إلكترونية مقتضبة، وصلت إلى أعضاء لجان التحكيم الذين كان ينبغي عليهم اختيار الفائزين بجائزة «تايكي»، في مجالات من أنواع المسلسل التلفزيوني: التاريخي، المعاصر، الكوميدي، الاجتماعي. حتى منتصف رمضان، تقريباً، كان التواصل قائماً بين أعضاء لجان التحكيم، وإدارة الجائزة. ثمة تبادل لقوائم الأعمال الدرامية التلفزيونية العربية، لهذا العام، وقوائم متخصصة في كل حقل. عندما انطلقت الدورة الأولى، العام الماضي، لم يكن حتى لأكثر المبدعين خصوبةً في الخيال، أن يتوقّع ما الذي ستأتي به الأيام المقبلة، وبأيّ مولود تعتمر أحشاء الوقائع الآتية! «ربيع الثورات العربية»، كما يلذّ لبعضهم تسميته، كان خارج المتوقع، وبعيداً من إطار المنظور. كل شيء كان من الممكن أن يأتي رتيباً، متمهِّلاً كعادته، منذ قرن انطوى على رحيل آخر روّاد ودعاة «اليقظة العربية». وما كان على الدراما العربية، في حالتنا هذه، إلا التحرك بين الخطوط المسموحة، وفي إطار الهوامش المتاحة. ترتقي الدراما العربية كلما اقتربت من واقع هذا المواطن، وداعبت مخيلته وأحلامه بغد أفضل. كانت هذه هي القاعدة الذهبية. فهل جاء «ربيع الثورات العربية» ليفكَّ طلاسم، بدت عصية على التفكيك؟ وهل كان من أقداره أن يتجاوز عتبات، بدت راسخة زمناً ذاهلاً خارج التاريخ؟ بالتالي، هل بلا معنى أن تكون هذه «الجائزة» واحدة من «مؤجَّلات» هذا «الربيع»، حتى لا نقول «من ضحاياه»، ريثما يتبيّن الخيط الأبيض من الأسود؟ من موسم درامي رمضاني مضى العام المنصرم، إلى موسم درامي رمضاني، حضر على عجل هذا العام، بدا الفارق كبيراً جداً، حتى أنه يكاد يليق بتحولات تاريخية عظيمة. ليس فقط على مستوى أن ما كان مقبولاً في الموسم الماضي، ما عاد مقبولاً هذا الموسم. ليس على مستوى الأعمال، بل قبل ذلك ومعه، على مستوى الأشخاص؛ صنّاع الدراما أنفسهم. ربما كان متأخراً إدراك إدارة الجائزة هذه الحقائق الشائكة، لكن قرارها كان ثاقباً. وحسناً فعلت، قبيل انتهاء الموسم الدرامي، إذ أنها بفعلتها هذه نجت، وأنجتنا معها، جميعاً، من مأزق الاحتفاء بفائز كبير في مقياس العمل الدرامي، صغير في مقياس الواقع! صحيح أن ثمة من سيلحقه الظلم بهذا القرار. ولكن، كيف يمكن الاحتفاء بفنان «مبدع» على الشاشة، «مدقع» في الواقع؟ وإلى أي درجة كان يمكن أعضاء لجان التحكيم التغاضي عن مواقف هذا الفنان، أو ذاك، والتركيز على حُسن أداء دوره على الشاشة؟ وكيف كان للجمهور العربي أن يقبل تكريماً لدراميّ عربي ما، خصوصاً إذا كان ممن لم يكرّم ثوراته، ولم ينحز لدماء الشهداء؟ السياسة، لعنة الفن الأبدية... كانت وستبقى!