صديقي العزيز مهندس يدرس الآن دراسات عليا في كندا، وزوجته تدرس الزمالة في تخصص طبي، بعد حصولها على بعثة حكومية، وحصوله بعد جهد كبير على الحق نفسه، معهما أربعة أطفال، ويعيشون في واحدة من أكبر وأهم وأجمل المدن الكندية. قفزت صورة صديقي أمامي فجأة عندما قرأت القصة الصحافية التي كانت العنوان الرئيسي ل«الحياة» الأربعاء الماضي عن المقرر الحديث الجديد الذي «يهاجم» الابتعاث، والتي جاء فيها أن المنهج أورد، تحت عنوان «خطر الابتعاث»، افتتان الطالب الناشئ بقيم مجتمع متقدم ومنظم، لكنه ينحي الدين وقيوده جانباً عن نظام الحياة، مشيراً إلى أن وجود المرء مدة طويلة في مجتمع منحرف في عقائده وقيمه وسلوكه يجعله يتأثر بأعراف ذلك المجتمع وقيمه وعاداته، مشدداً على أن «نسبة الذين يسلمون من هذا التأثير قليلة؛ ما يؤكد خطر الابتعاث». المنهج الجديد الذي يدرس على نطاق ضيق إلى الآن استدل بطوائف ذهبوا لنقل العلم والصناع؛ فعادوا منسلخين من الدين ومزدرين لمجتمعهم، بل إن كثيراً من المبتعثين بحسب المنهج «رجعوا مشبعين بروح الغرب يتنفسون برئته ويفكرون بعقله ويرددون في بلادهم صدى أساتذتهم المستشرقين، وينشرون أفكارهم بإيمان عميق وحماسة زائدة وبلاغة وبيان؛ فصاروا وبالاً على مجتمعاتهم». صديقي يعاني، مثل آلاف المبتعثين لبعض الدول، من ضائقة مالية؛ فهو بالكاد ينجو آخر كل شهر إذا صرفت المكافآت في وقتها، فقلت: الحمد لله الذي فرج همه، وأزال غمته، فقريباً سيطالب، وسنطالب له، وللمبتعثين، بصرف بدل خطر، بما أن منهجاً رسمياً يدرس في مدارس رسمية، وتمت الموافقة على محتواه، يقر بخطر الابتعاث؛ إذاً لا بد من المناداة بصرف بدل خطر لهم، وكان الله في عون وزارة المال التي ستلح عليها وزارة التعليم بناءً على إلحاح العائلات التي تعرض أبناؤها للخطر، لكن المهم أن المهندس وحرمه الطبيبة سيحصلان أخيراً على ما يساعدهما على غلاء المعيشة ومعهما الكثيرون في المدن الشهيرة بارتفاع مستوى معيشتها. والابتعاث له أخطار كثيرة، غفل عنها الكتاب؛ فصديقي يخبرني أن شخصية أطفاله باتت أقوى في الغربة، وأن أكبرهم بات يطالب بحقوق غريبة مثل عدم ضربه ضرباً مبرحاً في الأماكن العامة، وإلا سيلجأ إلى السلطات الأسرية هناك؛ الأمر الذي جعله يفتح معه الحوار الذي إما أن ينتهي بالتراضي وإما أن ينتهي بكلمته التي باتت لازمة لكل غضبة أبوية: «الوعد في السعودية». والابتعاث خطير على مقدرات شركات الاستقدام، وعلى سماسرة العمالة المنزلية؛ إذ يتعلم السعوديون هناك الاعتماد على أنفسهم في بيوتهم كما يتعلمون الفرق بين الضرورات والكماليات، وتقود كل ربة أسرة سيارة العائلة الوحيدة لإيصال أبنائها إلى مدرسة الحي؛ فينجون من استجداء السائقين، أو مسؤولي النقل في المدارس الأهلية لنقل أبنائهم وبناتهم إلى مدارس تبعد عنهم عشرات الأمتار فقط. هذه الأخطار الصغيرة والخفيفة للابتعاث، والأكبر منها كثير، أتمنى أن يكون لدى وزارة المال بند يسمح. [email protected]