حققت تيلدا سوينتون نجاحاً مسرحياً في بلدها بريطانيا على مدى السنوات العشر الأخيرة، دامجة أيضاً طوال هذه الفترة بين العمل فوق الخشبة وأمام الكاميرا ومؤدية بطولة مجموعة من الأفلام الممتازة فنياً والتي حصدت جوائز دولية ولاقت تقدير النقاد مثل «أورلاندو» و«الحب هو الشيطان» و«منطقة الحرب» و«كارافاجيو» وأخرى صورت قبل «الشاطئ» الذي جاء ربما دون مستوى الأفلام المذكورة من حيث النوعية، إلا أنه نال شهرة جماهيرية بفضل أداء ليوناردو دي كابريو الدور الرئيسي فيه. وآخر أفلام سوينتون،علماً أنها مثلت بطولته وشاركت في إنتاجه أيضاً، عنوانه «يجب أن نتكلم عن كيفين» وقد عرض بنجاح في مهرجان «كان» 2011. وكانت سوينتون نالت في 2007 جائزة أوسكار أفضل ممثلة عن دورها في فيلم «مايكل كليتون» إلى جوار جورج كلوني، وهو عمل درامي يروي سيرة محام شجاع ونزيه يكافح الفساد في مؤسسات أميركية مالية ضخمة. وتقدم سوينتون عبر طريقتها في تمثيل أدوارها، الدليل القاطع على كونها من الممثلات البريطانيات القديرات اللاتي يجلبن أمام الكاميرا خبرتهن المسرحية الهائلة فيحولن أي دور عادي تحفة فنية. جاءت سوينتون إلى باريس كي تروج لفيلم «يجب أن نتكلم عن كيفين» لمناسبة ظهوره في الأسواق، فالتقتها «الحياة» وحاورتها. لقد عرض «يجب أن نتكلم عن كيفين» في مهرجان «كان» هذا العام بينما شارك فيلمك «مايكل كليتون» في مهرجان البندقية سابقاً، فما شعورك تجاه مشاركتك في أفلام ناجحة تقدم في أكبر المناسبات السينمائية في العالم؟ - أنا مسرورة جداً للاستقبال الحار للفيلمين في المهرجانات المختلفة مثل «كان» والبندقية ولكن أيضاً في مناسبات فنية أصغر حجماً وإنما على درجة كبيرة من الأهمية. وأنا فخورة ومضطربة نوعاً ما أمام كل هذه المراسم الرسمية، وفي ما يخص فيلم «مايكل كليتون» مثلاً، فأنا بطبيعة الحال راضية عنه إلى أبعد حد لأنه يطابق وجهة نظري الخاصة بضرورة التزام أي فنان تجاه قضايا سياسية واجتماعية معينة وعدم ممارسة المهنة الفنية من أجل الربح المادي وحسب. أما الفيلم الجديد «يجب أن نتكلم عن كيفين» فهو درامي عائلي وذو حبكة قوية وإخراج هائل من قبل السينمائية لين رامسي. حدثينا عن فيلم «يجب أن نتكلم عن كيفين» فهو هز حضور مهرجان «كان» الأخير وسينزل إلى الأسواق في الأسابيع القليلة المقبلة؟ - يروي الفيلم العلاقة الغريبة التي تربط بين أم وابنها منذ فترة الرضاعة وإلى أن يكبر الولد ويصبح رجلاً. فالأم عاجزة عن تحمله منذ الأساس، أولاً لأنه يبكي في شكل متواصل وهو رضيع ثم لأنه من النوع المنطوي على نفسه طوال فترة صباه وأخيراً لأنه لا ينجح في المدرسة مثلما تريد هي. وفي الوقت نفسه يبني الابن مع والده علاقة أساسها الثقة المتبادلة بينهما ويحصل من أبيه على كل ما يرغب ، بينما لا ينصت الأب لزوجته التي لا تكف عن محاولة لفت نظره إلى كون الصبي يختلف عن غيره من الأولاد ويعاني من مشكلة تحتاج ربما إلى علاج نفسي. ويتهم الرجل زوجته بالجنون المطلق حينما تقول له مثل هذا الكلام. وتأتي النهاية المأسوية بمثابة تتويج للعلاقة المتوترة منذ الأساس بين الأم والابن. أنها نهاية على شكل انتقام، أليس كذلك؟ نعم انتقام الابن من أمه وعلى حساب والده وأخته الصغيرة. كيف تفسرين ضعف نظر الأب طوال الوقت تجاه تصرفات ابنه؟ - لأن الرجل يحب ابنه ويضعه فوق كل الاعتبارات ويرى أن الصغير ضحية قسوة أمه في الكثير من المواقف اليومية فيحاول أن يعوض عن ذلك بحنان متزايد. والحب الأبوي هو الذي يعميه عن الحقيقة. أنه شيء وارد في الحياة باستمرار لدى الكثير من العائلات، سواء من ناحية الأب أو الأم. أنا أعتبر الفيلم واقعياً جداً على رغم تماديه في ناحيته المأسوية خصوصاً في الختام. يصور الفيلم في لقطة واحدة مثلاً العلاقة المتوترة بين الابن والأم ثم سذاجة الأب ولعب الابن بهذه السذاجة، وذلك كله من خلال نظرات متبادلة بين الأطراف المعنية. فكيف حققت المخرجة لين رامسي هذا الإنجاز؟ - صحيح أن مثل هذه الأمور تصور في لقطات عدة توضح كل منها علاقة أحد الأشخاص مع غيره، لكن جمع كل الشخصيات هكذا في مشهد واحد والتعبير من خلاله عن مغزى الحبكة هو أمر نادر جداً فوق الشاشة واستطاعت لين رمسي تنفيذه بنجاح لا يقبل النقاش. لقد تبادلت معها النقاش أكثر من مرة حول الموضوع وعرفت منها أنها من أشد المعجبات بسينما العبقري الراحل أورسون ويلز ومن أنصار طريقته السينمائية. والواقع أن ويلز طبق هذه الطريقة في فيلمه الشهير «المواطن كين» (سيتيزين كين)، واستوحت لين رامسي منه في ما يخص المشهد إياه الذي يزيد فيلمها قوة وإثارة. بدأت أترقب في شأن فيلم آخر من أهم أفلامك وهو «مايكل كليتون»، لقد عبر جورج كلوني وبصراحة تامة عن موقفه المضاد للسياسة الأميركية في عهد جورج دبليو بوش، فهل اتخذت أنت كمواطنة بريطانية، في حينه وعن بعد، الموقف نفسه؟ - عن بعد أو عن قرب، فأنا أعتبر أن أي شخص يحق له التعبير عن موقفه تجاه سياسة دولة معينة. وأنا بقيت فترة طويلة مثلاً، لا أوافق على سياسة بريطانيا. وقد بدأت في الفترة الأخيرة فقط، أترقب كل ما يحدث في هذا الميدان بنظرة مختلفة بعض الشيء، وبأمل أن تتغير بعض الأمور في المستقبل القريب. وأما عن السياسة الأميركية في عهد بوش، فأنا بالفعل شاركت جورج كلوني اعتراضه الشديد عليها، وأنا أحبذ الأفلام التي تفضح كل ما يحدث من تصرفات خاطئة في السياسة الغربية. أنت بشهادة أكبر النقاد السينمائيين، أكثر من ناجحة في فيلم «مايكل كليتون»، وقد فزت من أجله بجائزة الأوسكار، فكيف حصلت على هذا الدور الصعب؟ - كان مخرج الفيلم طوني غيلروي قد شاهدني في فيلم «منطقة الحرب» الذي جلب لي التقدير كممثلة أينما عرض، وفيه مثلت دور امرأة معذبة بسبب خوفها على صغارها، وبما أن سيناريو فيلم «مايكل كليتون» تضمن العديد من المواقف الدرامية الصعبة لا سيما بين تلك التي تعيشها الشخصية النسائية الرئيسية، تذكرني طوني وعرض علي مشاركة جورج كلوني بطولة فيلمه. وأنا مدينة له ولجورج كلوني بالكثير، لأنهما سعيا من أجل فرض اسمي على الشركة المنتجة، لأن المنتج الأساسي لم يرغب إلا في تعيين نجمة أميركية عالمية محددة ليضمن عنصر التوزيع الدولي في ما بعد. والشيء الذي لعب لمصلحتي هو امتلاك كلوني حصة من أسهم الفيلم، بمعنى أنه شارك في الإنتاج ولو في طريقة غير مباشرة، الأمر الذي سمح له بفرض وجهة نظره إلى حد ما، وبالتالي الدفاع عن رغبات المخرج. هل تعرفين من كانت النجمة الأميركية المختارة من قبل المنتج أساساً؟ - نعم، جوليا روبرتس. أمومة أنت أم فكيف تجمعين بين عملك والأمومة؟ وإلى أي مدى ساعدتك هذه الأخيرة في حسن تقمصك شخصية الأم في فيلمي «الطرف العميق» و «منطقة الحرب» وأخيراً «يجب أن نتكلم عن كيفين»؟ - أنا لا أسافر أو أتحرك كثيراً من دون أن يصطحبني أولادي الثلاثة بقدر المستطاع، وطالما أنهم إلى جواري أجد نفسي قادرة على الجمع بمهارة وسلاسة بين عملي ورعايتهم. صحيح أن والدهم يرعاهم أيضاً بطبيعة الحال، فهو يبقى معهم إذا اضطررت شخصياً إلى الغياب فترة طويلة من دون أن يأتوا معي مثلما حدث في شأن تصوير فيلم «الشاطئ»، إذ سافرت إلى جزر بعيدة لمدة شهرين ولم يكن في إمكان الأولاد طبعاً أن يغيبوا عن المدرسة فترة طويلة كهذه، باستثناء الصغيرة التي كان عمرها سنتين فقط. وأعترف بأنني أشعر بالحزن إذا حرمت من رؤيتهم لأكثر من أسبوع . أما عن كون الأمومة قد ساعدتني في تقمص دوري في «الطرف العميق» وأيضاً في «منطقة الحرب» خصوصاً في «يجب أن نتكلم عن كيفين»، فهو شيء واضح وبديهي، ولا شك في أنه كان من السهل علي تخيل تصرفي كأم في وضع معين بالمقارنة مع ممثلة غيري لم تعش تجربة الأمومة في حياتها الشخصية وتجد نفسها مضطرة إلى تصور مواقف مبنية على العلاقة بين صبي وأمه مثلاً. من هن ممثلات المستقبل في رأيك بين زميلاتك من الجيل السينمائي الجديد؟ - سكارليت جوهانسون طبعاً، فهي موهوبة إلى حد كبير ولا بد من أن يتعلم المتفرج كيف يقدرها بطريقة مختلفة عما يحدث الآن، وأقصد بكلامي أن جمالها الفذ يحجب الرؤية في بعض الأحيان عن طاقتها الفنية. ثم هناك كيرا نايتلي البريطانية مثلي، وماغي جيلنهال التي ستنطلق مثل الصاروخ في سماء السينما وفي المستقبل القريب، ذلك أن كل ما ينقصها هو الفيلم الشعبي الذي يسلط الضوء على موهبتها الكبيرة. وغير ذلك، فأنا أنوي شخصياً البقاء في الساحة فترة طويلة.