يتميز مشوار النجمة السينمائية الفرنسية ساندرين بونير بالحكمة والرصانة منذ أن بدأت ممارسة التمثيل وهي بعد مراهقة عمرها 15 سنة في عام 1983، فعلى رغم كونها أصبحت مشهورة فور ظهور فيلمها الأول «نخب حبنا» عرفت كيف تتفادى مطبات الأضواء والمجد وفضلت تعلم أصول الفن الدرامي في مدرسة متخصصة بالتوازي مع توليها أدوار البطولة مع أشهر النجوم من أمثال جيرار دوبارديو وويليام هورت وميشيل بلان وأنطونيو بانديراس وأمام نخبة من الممثلات المخضرمات حال إيزابيل هوبير وإيمانويل بيار وصوفي مارسو. وكم من مرة كانت بونير موضع مقارنة في الثمانينات من القرن العشرين مع مارسو بالتحديد حينما كانت كل واحدة منهما لا تزال مبتدئة، ما أشعل بينهما منافسة تطلبت نسبة عالية من الذكاء لدى الفنانتين من أجل تجاهل الأمر والبقاء في الساحة من دون التأثر بالإشاعات التي جعلت تارة من مارسو فتاة سطحية ومن بونير شابة تتمتع برؤية بعيدة وتجيد التخطيط لمستقبلها، أو العكس، إلا أن العنصر الذي يجمعهما في النهاية هو الأصل الاجتماعي المتواضع الذي لا شك لعب دوره بطريقة ملموسة في الدفع بكل منهما إلى الأمام. عاشت بونير علاقة عاطفية طويلة مع النجم الهوليوودي ويليام هورت أنجبت خلالها ابنتها الأولى البالغة اليوم عشر سنوات ثم انفصلت عنه وتزوجت عام 2003 من فرنسي ثم صارت أماً للمرة الثانية، ما يغمرها بحسب قولها بالسعادة والرفاهية النفسية. نزل إلى الصالات السينمائية حديثاً فيلم «لاعبة» من بطولة بونير والأميركي كيفين كلاين وتدور أحداثه في جو رومانسي حول لعبة الشطرنج. ولمناسبة العرض الافتتاحي للفيلم، التقت «الحياة» بونير في باريس وكان هذا الحوار: حدثينا عن فيلم «لاعبة»؟ - أنه من إخراج كارولين بوتارو ويروي حكاية امرأة تعمل خادمة في فندق في الريف الفرنسي وتتعرف أثناء تنظيفها الغرف إلى رجل ثري يعشق لعبة الشطرنج ويقرر لمجرد التسلية أن يعلّم أصولها للخادمة كي يلعب معها بعد إنهائها خدمتها. وسرعان ما تتفوق التلميذة على أستاذها وتقع في غرام الشطرنج وليس الرجل، فتتحول لاعبة محترفة. يمزج السيناريو بين العاطفة الرومانسية والعنفوان الذي يسببه حب اللعب في النفوس، وأنا أعتبر الفيلم من أحلى الأعمال الخفيفة التي ظهرت فيها حتى الآن. هل تعلمت الشطرنج من أجل الفيلم، أم أنك كنت تجيدينه أصلاً؟ - كنت على دراية ببعض مبادئ اللعبة، لكنني تعمقت في تعلمها من أجل دوري في الفيلم، والطريف أنني كنت قد اكتشفت من خلال مشاهدتي للفيلم الفلسطيني «أمريكا» في أحد المهرجانات السينمائية، أن عبارة «إيشيك إي مات» المستخدمة في الشطرنج نابعة أصلاً من اللغة العربية «الشيخ مات»، وصرت بالتالي أجيد لفظ كلمتين عربيتين وعرفت معلومة بقيت أتباهى بها أمام كل من حدثني عن الشطرنج طوال أيام التصوير. هل تعتبرين نفسك ممثلة رومانسية؟ - أعتقد أن العدد الأكبر من أدواري حتى الآن اتسم فعلاً بالرومانسية، فلست من الممثلات اللاتي يصلحن لأدوار الكوميديا البحتة أو الدراما العنيفة جداً المجردة من أي عاطفة رقيقة، ما يجعلني في نظر الجمهور فنانة رومانسية بلا شك. لكنك في بداية مشوارك السينمائي توليت بطولة فيلم «بلا سقف أو قانون» للمخرجة أنياس فاردا حيث مثلت شخصية فتاة متشردة تعيش في الشوارع، ومن الصعب العثور على أي رومانسية في هذا الفيلم القاسي الذي جلب لك التقدير والجوائز؟ - أنا لا أوافقك الرأي، فقد وجدت شخصياً في الدور رومانسية كبيرة جداً ولكنها ظلت خفية في أعماق الفتاة المتشردة بسبب الظروف الرهيبة المحيطة بها، وقد تمتعت كممثلة بالتفتيش عن الوسائل التي كانت ستسمح لي بالتعبير عن العواطف المكبوتة في شخصية شابة منبوذة كهذه. قيل حينذاك إنك بقيت طوال فترة التصوير من دون أن تغسلي شعرك؟ - أرجوك لا تذكرني بهذه الحكاية واسمح لي بإضافة معلومات أخرى إلى حكاية امتناعي عن غسل شعري، فأنا تلبية لرغبة المخرجة لم أغسل وجهي ولم أهتم بأظفاري لمدة شهرين متواصلين، الأمر الذي يشكل مصيبة بالنسبة إلى أي فتاة طبعاً، علماً أنني كنت في السابعة عشرة من عمري حينذاك. أتذكر أنني في النهاية لم أكن قادرة على تحمل نفسي، وهذا ما كان ليحدث لأي امرأة أو رجل غيري في ظروف مماثلة، لكنني انغمست في دوري بسهولة أكبر بفضل معايشتي الحقيقية لجزء من التشرد الخاص بالبطلة. عبقرية فذة شاركت بعض ألمع النجوم العالميين بطولات أفلامك، فمن منهم ترك بصمات مميزة في نفسك كممثلة وكامرأة؟ - أعتقد أنك تتخيل الرد على الجزء الثاني من سؤالك، فمن الواضح لكل من يعرف حكايتي أنني عشت فترة لا بأس بها مع الممثل ويليام هورت وأنه بالتالي لعب دوراً مهماً في حياتي العاطفية وترك بلا شك بصمات دائمة في نفسي، خصوصاً أنه والد طفلتي. أما في ما يتعلق بالناحية الفنية، فإن ويليام أيضاً هو الذي أثر في طريقة مواجهتي أدواري ودفعني إلى تحسين مستواي كممثلة، إلا أن الواقع هو غير ذلك لسبب بسيط يتلخص في كون هورت ينتمي إلى المدرسة الأميركية التي يتبع لها داستين هوفمان وروبرت دي نيرو ومارلون براندو أيضاً. إنها مدرسة «أكتورز استوديو» العريقة والعظيمة التي تعيد كل شيء إلى العقل والتفكير وتخيل أبعاد الشخصية في أدق تفاصيلها مثل الطفولة والتصرفات اليومية والأكل والشرب، حتى وإن كانت هذه العناصر خارج إطار سيناريو الفيلم. إنها طريقة تأتي بنتائج فعالة لا مثيل لها، ما يجعل هؤلاء النجوم محط أنظار العالم وموضع غيرة وحسد أي ممثل وممثلة. لكنني شخصياً عاجزة عن ممارسة مثل هذا الأسلوب في مواجهة أدواري، وحتى إذا كنت قد تعلمت أصول التمثيل في مدرسة متخصصة أظل غريزية في الوسيلة التي تسمح لي بتقمص شخصية خيالية ما، وأنا في ذلك تلميذة جيرار دوبارديو أكثر من ويليام هورت بلا أدنى شك. وأقصد بكلمة غريزية أنني أترك العنان لأحاسيسي أولاً وأخيراً من أجل التعبير عن مشاعر ومواقف معينة ثم أضع كلمات النص المكتوب فوق هذه المشاعر وأحقق بالتالي معادلة أثبتت فعاليتها حتى الآن في كل أفلامي. وأضيف أن كيفين كلاين شريكي في «لاعبة» يمزج بمهارة فائقة بين الأسلوب الأميركي الذي ذكرته والعفوية التامة في أداء شخصياته السينمائية، فهو يدرس أبعاد أدواره ثم يضيف إليها في اللحظة الأخيرة نبرة من المرح وروح الفكاهة، وهنا يتغير كل شيء وتتحول التقنية الفنية إلى عبقرية فذة. لقد تعلمت منه الكثير في أثناء عملي إلى جواره ولكنني ما أزال بعيدة من مستواه. على سبيل التسلية ما كان طموحك المستقبلي في الأساس قبل احترافك الفن في سن المراهقة؟ - كنت أعمل أصلاً في صالون لتصفيف الشعر وذلك بسبب حالتنا الاجتماعية المتوسطة التي لم تسمح لي بإكمال تعليمي. كان طموحي يتلخص في التقدم في هذا الميدان وربما فتح صالوني الشخصي بعد عشر سنوات. وشاء القدر أن أذهب مع شقيقتي الكبرى إلى اختبار أمام الكاميرا لاختيار ممثلة شابة من أجل بطولة فيلم عنوانه «نخب حبنا»، وفزت بالدور بدلاً من شقيقتي التي كانت تحلم بهذه الفرصة، بينما كنت أرافقها على سبيل التسلية فقط. لديك شقيقة ثانية مصابة بعاهة نفسية سيكولوجية وأنت أخرجت فيلماً تسجيلياً رائعاً عنها؟ - أشكرك على كلمة «رائع»، لقد أردت فعلاً أن أسجل لحظات من حياة أختي الصغرى سابين اليومية في شريط سينمائي ليرى العالم قدرة امرأة لا تتكلم على إدراك الأمور وكذلك إحساسها المرهف. إنها أذكى بمراحل من كثيرين من الأشخاص «العاديين»، وهذا ما يؤكده الشريط. ما رأيك الآن في المنافسة التي خلقتها أجهزة الإعلام بينك وبين صوفي مارسو في الفترة الأولى من عملكما الفني؟ - إنها حكاية قديمة لكنها احتلت في منتصف الثمانينات مكانة مهمة في وسائل الإعلام وتطلبت مني ومن مارسو شجاعة كبيرة ومثابرة وقدرة على التحكم في اتزاننا الشخصي والنفسي حتى تستمر كل منا في طريقها وتختار ما تعتبره الأفضل لها ولا تسقط في فخ مهاجمة الثانية علناً، الأمر الذي كان الإعلام ينتظره. ومن حسن حظي أنني تمتعت بوجود وكيل أعمال وقف إلى جانبي ونصحني ورعاني، فلولاه ولولا أصدقائي وأهلي لسقطت في دهاليز الانهيار العصبي ولانتهى عمري الفني بالسرعة نفسها التي بدأ فيها، وأعتقد أن صوفي مارسو تمتعت من جانبها بالحماية نفسها. هل أنت رومانسية في حياتك اليومية؟ - كلياً، فأنا من النوع الذي طالما حلم بالفارس الشجاع. والطريف أنني عثرت عليه وصرت شريكة حياته، ما يدل إلى أن الأحلام في بعض الأحيان تصبح حقيقة.