كان لدي انطباع، مجرد إحساس، أن النساء في مواقع الدراسة والعمل أكثر تنظيماً من الرجال، وأكثر دقة، واهتماماً بالتفاصيل، وهو انطباع خلقته الصورة المقابلة لدى الرجال، ولم يكن من تجربة معاشة، أو اطلاع على دراسة محكمة، أو تقرير صحفي محترف. مع بداية هذا الفصل الدراسي وحتى اليوم، انهار هذا الانطباع، نتيجة معايشتي عن قرب لقصة طفلة يخوض والديها معترك مراجعة مكتب الإشراف التربوي بالرياض، لماذا؟ للحصول على إجابة عن سؤال والدتها: متى وأين يمكن أن نستلم نتيجة اختبار القدرات الذي أجري لطفلتنا لتحديد إمكانية قبولها في الصف الأول ابتدائي. الطفلة ومعها مئات الأطفال من الجنسين توزع آبائهم وأمهاتهم على مكاتب الإشراف يعيشون مشهداً واقعياً يناقض كل ما يرونه في التلفزيون أو يسمعونه في المدرسة عن بلدهم الحبيب، فوضى وصراخ واستجداء وشفاعات، و«صواني» المأكولات والحلويات، و«زمزميات» يعرفون أنها لزوم «الكشتة» أو «العزيمة»، فيترسخ في أذهان الصغيرات أن مكاتب الحكومة هي جزء من «بيتنا». اكتشفت الأم التي تراجع منذ أسبوعين تقريباً لمجرد أن الوزارة لا تثق في مدرسة ابنتها الأهلية لتختبر قدراتها أن ما يقوله مسؤولو الوزارة في الصحف، يختلف عن ما تقوله مديرة الإشراف، وعن ما تقرره موظفاتها، وهي بعد عدة مواعيد ومشاوير، ربما لا تتيسر لكل امرأة لم تجد إجابة واضحة ودقيقة عن سؤالها أعلاه: متى وأين أحصل على نتيجة اختبار ابنتي. موظفة تخبرها أنها ستعلن في الصحف، وتخيلت العناوين غداً «وزارة التربية تعلن أسماء المقبولات والمقبولين في الصف الأول ابتدائي ممن شملهم الاستثناء من شرط العمر في حدود 180 يوماً»، ووجدته طويلاً جداً، فاستبعدت أن يكون ذلك منطقياً، وحسبت أن مدرسة ابنتها لن تقبل تسجيلها في الصف الأول بمجرد إظهار الجريدة لها، خاصة أن ثلث السعوديين يتشابهون في أسماء الأب والجد. موظفة أخرى أخبرتها أن تذهب إلى مكتب الإشراف التربوي في شمال الرياض لعل وعسى، هكذا، لعل وعسى، أما الموظفة «المدقدقة» فأخبرتها أن تدع ابنتها تدرس ما تشاء «أول ابتدائي»، «تمهيدي متقدم» وعند ظهور النتائج «يحلها الحلال». آخر مكتب دخلته أخبرها أن الوزارة بدأت في اختبار غير السعوديين وعند الانتهاء ستعلن نتائج الجميع، ولكنها لا تعرف أين ومتى سيتم الإعلان. وبما أن قريبتي استجدت إجابة ولم تجدها، ثم استجدتني أن أساعدها، وبما أن صديقي الإعلامي التربوي الذي طلبت شفاعته يعتقد أن «الشق أكبر من الرقعة» ويخبرني بقصص تجعل قصتها نوعاً من المرح، فإني لا أجد غير أن استجدي بدوري وزير التربية أو نائبه أن يعلنون للناس أين ومتى وكيف سيستلمون نتائج اختبارات صغارهم... فقط لا غير. [email protected]