أُحبِط المُصوِّر السوري الهاوي أيهم مليشو (21 سنة)، عندما علم أن اسمه غير واردٍ في قائمة الأسماء ال 15 التي اختارها القيمون على مسابقة شباب غاليري «أيام» للتصوير الفوتوغرافي، في مرحلتها ما قبل الأخيرة. اعتقد مليشو أن مجموعته الفوتوغرافية «للجدران عيون أيضاً» سيكون لها مكان في قائمة التصفيات النهائية المنتقاة من بين 150 متسابقاً، والتي ستشارك في المعرض الجماعي في مركز «أيام» للفن في دبي، في 13 أيلول (سبتمبر) الجاري، استعداداً لإعلان أصحاب المراكز الثلاثة الأولى. حُلم من هذا النوع لا يقف بطموح المتسابق عادةً عند مجرد عرض صوره الفنية، بل يتعدّاه إلى التنافس للحصول على الجائزة المالية التي أعلنتها المسابقة للمركز الأول (6500 دولار أميركي)، أو الثاني (2500 دولار أميركي)، أو الثالث (ألف دولار أميركي)، إذ يستخدم المصوّر(ة) هذا المبلغ في تطوير كاميرته تقنياً، وبالتالي فتح آفاق جديدة في ممارسته للتصوير. لكن الحيرة التي عاشها مليشو، قبل إعلان النتائج الأولية، تلاشت. ويقول: «أشعر الآن بالتحرّر، لا أحد سيُلزِمني التصوير على النحو الذي يريد، فأفقد متعة صناعة الصورة». أما إيلي خوري الذي وصل إلى المرحلة النهائية، فقد جمع في إحدى صوره بين واقعية مفتاح العلب وعلبة السردين الفارغة، وبالتالي غرابة المشهد حين يقف المفتاح أمام العلبة كأنهما قاتل وضحية. وما يجعل العمل أقرب إلى السوريالية، ويقيه الإغراق في المشاعر الإنسانية، السلبية والإيجابية، هما اللونان الأحمر والفضّي، وحضور المواد المعدنية الذي يضفي على العمل عنصري الإبهام والطرافة. غاب بورتريه الوجه الإنساني عن العديد من الأعمال. لكنه، حيث ظهر، بدا أن اصطناعاً ما سيطر على وضعيات الرأس والنظرات، كما في عملَيْ محمد بدر وإلياس مبارك، على عكس بورتريه خالد مظهر الذي يُثبّت لحظةً شعوريةً على الوجه الملتقط، هي الحيرة غالباً، مع مراعاة الخلفية العامة لتكون مُكمّلةً للوجه الإنساني على رغم بساطتها. فُتِحت مسابقة شباب «أيام» أمام المصورين العرب المولودين في المنطقة العام 1980 وما بعده. وأعطاهم الغاليري مهلة شهرين لتقديم أعمالهم ضمن شروط فنية معينة تؤكد جِدّة الصور، إضافة إلى ضرورة إرفاقها بمقال توضيحي، كما تشرح المديرة الإدارية في الغاليري نايري شاهينيان (27 سنة)، وتضيف: «اخترنا الأعمال مستعينين بلجنة خبراء، وطلبنا من كل متسابق التقدّم بالموضوع الذي يناسبه من خلال 12 عملاً فوتوغرافياً». تبين شاهينيان أن فكرة المسابقة ترفد «الحاجة إلى دعم فن الفوتوغرافيا في المنطقة». والمسابقة هي استمرار لمشروع «أيام» الشبابي الذي تبنّى في العام 2007 عشرة فنانين شباب، مُحقِّقاً للوحاتهم اليوم مكاسبَ في المزادات العالمية، ومنها دار كريستيز، إذ تألّق الفنان السوري قيس سلمان ليحصد أحد أعلى الأسعار للوحة قبل أشهر. وعلى رغم تردّد شائعات حول أن الانتقاء في غاليري «أيام» يخضع لذائقة صاحبها خالد سماوي وحده، إلا أن المسابقة اختارت المرشحين ال 15، نصف النهائيين، استناداً إلى تحكيم لجنة «أيام» الفنية. أما الفائزون الثلاثة النهائيون، فستختارهم لجنة أخرى مؤلفة من أصحاب غاليريهات ومقتنين وفنانين. وتقول شاهينيان انه «منذ تأسيس أيام غاليري، كان من أهم أهدافها دعم الفن العربي ونشره، ودعم الفنانين الشباب وترويجهم». ترى شاهينيان أن تبايناً لُوحظ في مستوى الأعمال المقدمة إلى المسابقة، من حيث التقنية، والموضوع، والإخراج، والمعاصرة. إلا أن ما يُستشف من أعمال المصورين ال 15 يعكس إصرار الغاليري على تشجيع الأعمال المعاصرة التي لا تتوقف عند حدود تجريب معين. ولعل أهمية المسابقة تكمن في تركيزها على صناعة الصورة، إذ لا يكفي تقديم الجمالية الفنية، أو مشهد عابر، بل يجهّز بعض المصورين المختارين «الموضوع الإنساني»، للحظة التقاطه، كما في عمل ماريا شامي الذي يوحي بأن الفتاة في الصورة، ارتدت زيَّها الغريب ووضعت شعرها المستعار لتتقمّص الكائن المُراد. فألوان مستحضرات التجميل على وجهها، وطريقة جلوسها في الفضاء الأسود، يوحيان أن العمل أنجز على مرحلتين: مرحلة تحضير المشهد، ومرحلة الفعل الفوتوغرافي. وهذا ما ينطبق على عمل محمد باد أيضاً، فعلى رغم أن صورته بالأبيض والأسود، فإن حركة يدَيْ المرأة الكهلة ليست بالعفوية المفترضة، وإن تحاشت عيناها عدسة الكاميرا. استعانت بقية الصور بالتقنية الرقمية للتجريب، أو كوّنت عناصرها على نحو ملامس للواقع، كما في صورة الغرفة القديمة المغبرة للمصور آد أشقر. وتطرح صورة لماهر سلمى نوعاً من تمجيد القبح، في لقطة لأطفال يلعبون بطريقة غريبة، وقد نفّذ على الصورة ما يشبه آثار ضربات عنيفة لسكين ما، هي الرغبة في حذف اللقطة من الذاكرة. أما عمل لارا زنكول، فينجح في ما لم تحققه غالبية الأعمال السابقة، أي أن تحضير المشهد أوصل اللقطة إلى الضفة اللاواقية المبتغاة. فتاة في قارب تحمل قنديلاً وسطَ زرقة داكنة، تشكل في حد ذاتها مشهداً آسراً، يصلح لأن يجري العمل عليه وتطويره بكل التقنيات والوسائل العصرية المتاحة التي لا بد للفن أن يستعملها بذكاء، وإلا انقلبت ضده.