يمثل معرض المصور الراحل إيليا كهفيدجيان (1910-1999)، وهو فلسطيني الهوى أرمني المولد، تجربة توثيقية مهمة للوجود الفلسطيني والحق في الأرض، خصوصاً أن صوره التي عرضها «غاليري بنك القاهرة-عمّان» تحمل عنوان «فلسطين تتذكر: صور نادرة أخذت قبل النكبة»، وترصد حياة الناس البسطاء والمتعلمين والفلاحين والتجار والمعالم التاريخية الدينية والمدنية، لتؤكد حقهم في أرضهم التاريخية. فالإنسان هو محور الصورة، فيما تشكّل العمارة خلفية لحياة المجتمع التي التقطها إيليا. أحيت عدسة إيليا الريف الفلسطيني، بتفاصيل حَضَره ومدنيته. وعلى رغم بساطة عيش أصحاب الأرض آنذاك، فإن الصور وثّقت لأحاسيس وذكريات وحكايات لا تزال حاضرة في وجدان الشعب الفلسطيني، كما في صلب قضيته وهويته الوطنية. المصور الذي عاش معاناة شعبه الأرمني، تابعها مع الشعب الفلسطيني. ففي مدينة أورفا التركية ولد ايليا، وحين كان في الخامسة، شهد الإبادة الارمنية على أيدي الأتراك عام 1915، ففقد عائلته كلها: والداه وأشقاؤه الخمسة وشقيقاته الثلاث وأعمامه وعمّاته، ولم يجد شقيقته الوحيدة التي بقيت على قيد الحياة إلا بعد 18 سنة. وهكذا، تطورت المأساة في مخيلته لتصبح مركّبة من قضيتين، ووجد بسهولة قواسم كثيرة مشتركة بين الشعبين الأرمني والفلسطيني، لا سيما بعد احتلال فلسطين وتهجير أهلها ومحاولة اقتلاعهم من جذورهم التاريخية والثقافية والإنسانية. كان إيليا أحد الأيتام الذين جمعتهم «المؤسسة الأميركية للإغاثة في الشرق الأدنى» وأخذتهم إلى لبنان، ومن ثم إلى مدينة الناصرة الفلسطينية. رغب، منذ طفولته، بأن يصبح مصوراً فوتوغرافياً، وتعلم على أيدي الأستاذين كريكوريان وتومايان، وعندما قدم إلى القدس، انبهر بالمواقع التاريخية والمناظر الطبيعية، وقرر تكريس نفسه للفوتوغرافيا، فبدأ العمل جدياً عام 1924. وراح يوثّق معالم فلسطين وحياتها الاجتماعية، وفق الفنان ومدير الغاليري محمد الجالوس: «هو الخبير الذي رصد بعينه وقلبه ذاكرة نازفة، عاشتها فلسطين منذ ما قبل الانتداب البريطاني واحتلال فلسطين التاريخية. لا بد من تقدير حجم المأساة التي عاشها الأرمن، ومن بينهم إيليا، والفلسطينيون، ولا بدّ من شكر الرجل على حفظ هذا التاريخ». ويعتقد الجالوس أن إيليا كان عين الفلسطيني على وطن ضاع، «هي عين ماهرة، مبدعة، رصدت بدقة الفنان علاقة الصورة بالمكان، وعلاقة التفاصيل بالكل، وسطوة الضوء والظل حين يصنعان المشهد، بكامل الأمانة المكانية ومهارة الفنان واختياراته»، لافتاً إلى أن المدهش في هذه المجموعة من الصور «جودة التصوير والطباعة في زمن مضى. كنا نعتقد خطأ أن التقنية كانت ناقصة والنتائج أضعف مما يمكن الحصول عليه بفضل التطور التقني، لنكتشف في هذه الصور أن تقنية الأسود والأبيض، وبراعة المصور في الطباعة اليدوية، جعلتا المحصلة تفوق ما توصلت إليه الصورة أخيراً في عصر التصوير الرقمي». وأشار جالوس إلى أن معرض «فلسطين تتذكر» يأتي في سياق قرار الإدارة إقامة معارض تشكيلية محلية وعربية، «تتجاوز مع التصوير الفوتوغرافي، وهو سليل الإبداع ما دامت عين المصور ترسم بالقلب والعين، مشهدية فردية بحساسية اللون ومهارة الرسم»، لافتاً إلى أنه من أسباب اختيار المعرض لأعمال إيليا، إضافة إلى أهمية المصور وتجربته، أن «الصورة هي ذاكرتنا المعرّضة للاغتيال اليومي، وبها أيضاً نقاوم الاندثار».