حقيقة اندهشت وأنا أستمع إلى مداخلة وكيل الشؤون الثقافية في برنامج «المنتدى الثقافي» في إذاعة الرياض، الذي أعده هاني الحجي وقدمه الدكتور صالح المحمود يوم الأحد الماضي، وكانت الحلقة بخصوص الانتخابات الأدبية، ومع أن بداية مداخلة الحجيلان كانت متزنة ومنطقية عندما شّخص الوضع العام لتجربة الانتخابات الأدبية، إلا أن نبرته اختلفت عندما أصبح الموضوع يتعلق بالمعارضين لسياسة الوكالة وشبهة تدخلها في شؤون الأندية والتجاوزات التي حدثت في الانتخابات، لأُصاب بصدمة وأنا أسمع منه تقسيم المثقفين إلى قسمين، من يملكون كفاءة إدارية لقيادة الأندية وهم المؤيدون لسياسة الوكالة، والأدباء الذين يعانون من مشكلات نفسية وعقلية وهم المعارضون لسياسة الوكالة! والحقيقة أن «حدية هذا التقسيم» الذي ابتكره الحجيلان أخافتني لأن استحداث وكالة الشؤون الثقافية بوكيلها كان الهدف منها ومازال «خدمة المثقفين» وحل مشكلاتهم وتسهيل الأمور لهم حتى يقوموا بدورهم التنويري في المجتمع، لا لاتهامهم بالمشكلات النفسية والعقلية. وما يُخيفني أيضاً من «حدية ذلك التقسيم» أنها تتنافى مع مبادئ وروح التجربة، التي من المفترض أن يشرف على مسيرتها الحجيلان، تجربة الديموقراطية الثقافية. فكيف نثق بنتائج تجربة الانتخابات الأدبية التي تقوم على الديموقراطية الثقافية، ومن يشرف عليها يملك أفكاراً تتعارض مع قوانين الديموقراطية الثقافية؟ أعتقد أن كل مثقف هو حر في محاكمة وتقويم تجربة الانتخابات الأدبية وفق تأملاته المبررة منطقياً، وتلك التأملات إن كانت غير صحيحة فلن تضرّ التجربة، على العكس فهي ظاهرة صحية لجدية التجربة والتفاعل معها، وإن كانت صحيحة فهي ضابط أمن لنجاح التجربة. إضافة إلى أن تداول تفاصيل وملابسات هذه التجربة، والمشاركة الجماعية في تحليلها وتقويمها كتجربة جديدة على المجتمع وإشاعة تفاصيلها وسلبياتها وإيجابيتها، مهمة في ترسيخ مبادئ الديموقراطية الانتخابية ليس لدى المثقفين فقط بل والعقل الاجتماعي بصورة عامة. والسرية وإخفاء التفاصيل وأخطاء هذه التجربة، كما أن فيها تزييف للتجربة فهي أيضاً ضد مصلحة العقل الاجتماعي، الذي ليس عليه فقط أن يتابع التجربة، بل وهو الأهم أن يعرف مبادئها وحدود الصواب والخطأ فيها، وإلا لن يتمكن من ممارستها مستقبلاً. فالانتخابات الأدبية ليس هدفها نشر الديموقراطية الثقافية فقط، وليس هدفها أن تُعلم المثقف مفهوم الديموقراطية الثقافية وكيفية صناعتها فقط، بل كيف تُعلم أيضاً العقل الاجتماعي ممارسة هذه التجربة، وهذا لن يكون إلا عبر فتح هذه التجربة للجميع ومتابعة تفاصيلها وملابساتها والمشاركة في تداولها والاندماج مع تفاصيلها، لأن الثقافة تعني «صناعة العقل الاجتماعي» وليست مقاطعة نخبوية تعيش خارج العقل. أطالب الحجيلان أن يُقدم اعتذاراً لكل المثقفين، خصوصاً المثقفين المعارضين لتجاوزات الانتخابات الأدبية، الذين اتهمهم بأنهم يعانون من مشكلات نفسية أو عقلية. * كاتبة سعودية.