إنزو شيفو إيطالي لكنه صنع مجداً مع شياطين بلجيكا، وزيدان جزائري لكنه صنع مجداً للديكة، فهل يفعل إنزو زيدان مع الإسبان ما لم يفعله مع ديكة فرنسا، ولن يفعله مع ثعالب الجزائر؟ فالطفل موهوب كأبيه، أخذ من كاكا الملامح، ومن زيزو فنيات التسديد، ومن أمه عدم التفكير في العودة إلى مارسيليا؛ فهناك وطن آخر لآل زيدان، هو مملكة ابن زيدون (...). لم يشأ زيدان أن يعرف الناس كثيراً عن ابنه في بداية مداعبته الكرة، لكن العيون كانت تسترق النظرات من وراء الأبواب المصفحة؛ فرأت طفلاً على أبواب الشباب يمتلك مهارات الكبار، ولم يعد نجم الكرة العالمية قادراً على حرمان الناس من رؤية إنزو، ولا الصحافة من الكتابة عنه؛ ففي العالم كثير من عائلات الكرة، يتوارثونها أباً عن جد، وليس في ذلك أي غضاضة؛ فابن البط عوام. لقد بدا زيدان محرجاً وهو يسمع قرار مورينيو بدعوة إنزو للتدريب مع كبار الريال «أوزيل ورونالدو وبن زيمة»، وبدا أكثر إحراجاً حين اختار مكاناً يطل على ملعب التدريب؛ ليرى ابنه يقارع النجوم، وقلبه يخفق لتلك اللحظة التي تستمر فيها أسطورة آل زيدان القادمة من قرية جبلية في بلاد القبائل بالجزائر، ومن أرض خرج منها قبل أربعة عشر قرناً محارب اسمه طارق بن زياد باحثاً عن موطن آخر لدين الحق والعدل. لا أعتقد أن مورينيو أخطأ حين دعا إنزو ليحتك بفريق الأحلام؛ فحلم الطفل أن يكون كأبيه، في فريق لا يسع أكثر من أحد عشر لاعباً، لكن كل العالم يريد اللعب فيه، إلا ميسي الذي صرح قبل أيام بأنه يتمنى أن يلعب، بعد برشلونة، لفريق أحبه في صباه، هو نيو أولد بويز الأرجنتيني؛ فارتفعت أسهم هذا الفريق الذي كان يصنف من الفرق العادية في بلاد التانغو. الحديث عن إنزو زيدان أعادني إلى لاعب أسطوري لم يشاهده جيلنا، ولا الذي قبله، هو المغربي العربي بن مبارك (المعروف بابن بارك الجوهرة السوداء). قرأت عنه فيما كتبته الصحافة الفرنسية في الخمسينيات، وقال خبراء الكرة قبل خمسين عاماً: «لو أن هذا اللاعب الأسمر عاصر نجم الكرة العالمي البرازيلي بيليه لحذفه من خريطة الكرة بما يتميز به من مهارات عالية وأسلوب لعب ساحر...»، وأعتقد أنه من سوء حظ عشاق الكرة، وأنا منهم، أن هذا اللاعب وُلد في وقت لم تكن متوافرة فيه التلفزيونات وأجهزة التصوير القادرة على حفظ قليل من الصور لنجم لعب لثلاثة منتخبات هي الفرنسي والإسباني والمغربي، وكذلك منتخب شمال إفريقيا، ولا أتصور أن لاعباً يتقمص ألوان دول عدة هو لاعب من الطراز العادي بل هو موهبة كروية فذة. وماذا لو أن إنزو زيدان أعاد رسم خريطة طريق لمساره مع الجلد المنفوخ؛ فلعب لناشئي الجزائر، وخاض قبل أن يتجاوز الثالثة والعشرين مشواراً مع الديكة، وأنهى رحلته الكروية في مونديال الدوحة 2022 وما يأتي بعده مع الإسبان؟ افتراضياً يمكنه أن يفعلها، لكن عملياً لا أعتقد أنه يفكر في ذلك أصلاً؛ لأن للكرة الإسبانية تأثيرها السحري على النجوم الذين يختارونها موطناً لهم؛ فيتعلقون بها ليصيروا مواطنين. ألم يقصد يوهان كرويف برشلونة لاعباً فانتهى مدرباً، ولم يمنع ابنه جوردي ليتألق مع برشلونة بصورة لم تكن كافية، ثم يختفي (...) وهو ما لا نريده أن يحدث لإنزو زيدان الذي على رغم سنوات المجد لأبيه في مارسيليا ويوفنتوس إلا أن محطة الريال كانت فارقة في مسيرته؛ فاعتبر الريال بيته، ولابنه أن يبدأ رحلة أفضل من تلك التي ميزت جوردي كرويف، وإن غداً لناظره قريب. [email protected]