في هولندا يحاكم قادة العالم ويسجنون، وتصدر بحقهم مذكرات توقيف، فيحاصرون في الموانئ والمطارات، ولا تنفع الحصانات ولا السيادة. فهذا ميلوزوفيتش يرسل ليلاً إلى لاهاي وتقضي عليه أزمة قلبية في زنزانته، وهذا تايلور الليبيري يواجه المؤبد لما أقدم عليه في بلده، وهذا غباغبو الإيفواري يسعى للتملص من جرائمه وإن رمى الحمل بلا جمل على فرنسا (..) وتحتفظ بملفات الحريري ولوكربي وغيرها، وهكذا تكون لاهاي الهولندية، أو فن هاخ كما يطلق عليها، عاصمة للعدالة العالمية (؟) بسجنها التاريخي إيسفيخنن، ولكن هناك المدينة الأولى، أمستردام التي توجد بها عدالة لا تقل إنصافاً عن غيرها.. ويتعلق الأمر بالقضية التي رفعها نجم الكرة الهولندية عبر العصور يوهان كرويف، أحد المساهمين الرئيسيين في نادي أياكس أمستردام، وأحد المتمردين على أيّ قرار لا يكون منسجماً مع مواقفه، سواء في هولندا أو إسبانيا أو الاتحادات الدولية لكرة القدم.. كرويف، الابن المدلل للكرة الشاملة، وقائد المنتخب البرتقالي إلى نهائي مونديال 1974 ولم يتمكن من حضور مونديال 1978 لأنه تلقى تهديداً بالقتل إذا ما شارك في دورة الأرجنتين.. وصاحب الألقاب مع أياكس وبرشلونة لاعباً ومدرباً، وكذا الشهير بحمل الرقم 14.. يطلق عليه الهولنديون الطائر، والإسبان النحيف، والكتالانيون المنقذ، ومنحه نادي برشلونة لقب الرئيس الشرفي مدى الحياة في عام 2010.. غير أنه استقال منه بعد انتخاب ساندرو روسل الذي يرفض حشر كرويف أنفه في شؤون البرشا.. وهو أيضاً كاتب مقال أسبوعي في صحيفة «لافانجارديا» الكاتلانية يطرح فيه وجهة نظره في شؤون الكرة، وكذا ما يتعلق ببرشلونة، إذ أنّه تمنّى لو أنّ رفاق ميسي سجّلوا أكبر قدر من الأهداف في شباك الريال، لأنّ النادي الملكي لا يزال قوياً.. أصدر كرويف الفيتو هذا العام مرتين، الأولى عندما رأى برشلونة تحمل شعار مؤسسة قطر، كونه ينتمي للوبي اليهودي الذي يسعى لمنع التغلغل العربي في أندية ومؤسسات أوروبا لكرة القدم، ووجد الكتالانيون أنفسهم مضطرين أمام موقف كرويف إلى اعتماد الأسلوب الديموقراطي لإقرار الاتفاق مع مؤسسة قطر الذي يفسد اللعب ويسيل اللعاب، لأنه يتعلّق بأكثر من ستين مليون يورو مقابل حمل خمسة حروف لقطر باللاتينية على القمصان (..) ولم يعلق كرويف طالما هناك قرار ديموقراطي بتصويت الجمعية العامة. وفي سبتمبر الماضي قرر محافظو نادي أياكس تعيين إدارة جديدة برئاسة لويس فان غال، العدو اللدود لكرويف، ولم تمض ساعات حتى أعلن يوهان الحرب على لويس، ولم يكتف بالتصريحات بل انتقل بالصراع إلى محكمة أمستردام، واعتبرت الصحافة الهولندية والعالمية خرجة كرويف، حدث العالم في نهاية العام 2011.. وانتظر الناس يوم المواجهة بين كرويف الذي يدعو إلى أن يتم القرار في الجمعية العامة للمساهمين، ولا يوكل الأمر للمحافظين، ونطق القاضي بحكم أبطل فيه تعيين فان غال وفريقه، وبالتالي أصبح الخيار بين موقف كرويف والمؤيدين لفان خال من المحافظين، لينتصر جناح المساهمين، ويدخل كرويف قاعة الاجتماع الفاصل تحت تصفيقات الأعضاء، كونه المنتصر في المعركة القضائية والإجرائية.. ولم يدخّن سيجارته كما كان عليه الأمر سابقاً، فقد أقلع عن التدخين بعد أن خيّرة الأطباء بين نشوته.. والموت، واكتفى بابتسامة عريضة بعد القرار، وقال للصحفيين: «المعركة لم تنته بعد..». [email protected]