كشفت مصادر سياسية مواكبة للقاءات التي عقدها رئيس قلم المحكمة الدولية الخاصة بلبنان هيرمين فون هيبل مع كبار المسؤولين اللبنانيين وعلى رأسهم رئيس الحكومة نجيب ميقاتي ووزير العدل شكيب قرطباوي والنائب العام التمييزي القاضي سعيد ميرزا أن تسديد لبنان حصته في تمويل المحكمة الدولية شغل حيزاً رئيساً في الاتصالات التي أجراها وأن ميقاتي أبلغه أن لا مشكلة في التمويل باعتبار ان الحكومة أكدت في بيانها الوزاري التزامها القرارات الدولية. وأكدت المصادر نفسها أنه يتوجب على الحكومة اللبنانية تسديد حصتها في تمويل المحكمة حتى نهاية شباط (فبراير) المقبل والبالغة 32 مليون دولار. ولفتت الى ان الحكومة اللبنانية ليست في وارد إقفال الباب على تمويل المحكمة وإنما أبدت استعدادها لتسديد ما يتوجب عليها في أقرب وقت ممكن، وقالت ان وزير العدل تحدث مع رئيس قلم المحكمة عن مخارج قانونية للتمويل، من بينها إصدار مرسوم عادي بناء لاقتراحه يقضي بتحويل المبلغ على ان يوقع عليه الى جانب توقيع كل من رئيسي الجمهورية والحكومة ووزير المالية. واعتبرت المصادر ان ما سمعه هيبل من أكثر من مسؤول لبناني يعني ان لا حاجة للعودة الى مجلس الوزراء للموافقة على تحويل المبلغ، لكنها سألت في الوقت نفسه: «هل يوافق رئيس تكتل التغيير والإصلاح العماد ميشال عون على إصدار مرسوم يحمل توقيع وزير العدل المنتمي الى التكتل، وبالتالي هل تنسحب موافقته على حليفه حزب الله، حتى لو اتخذ قراره بالتحفظ عن تمويل المحكمة من دون أن يصعد في موقفه في اتجاه الإعلان عن معارضته؟». ورأت هذه المصادر ان تجنب طرح التمويل في مجلس الوزراء لن يشكل إحراجاً ل «حزب الله» على رغم أنه يتعامل مع المحكمة على أن لا قيمة سياسية لها وأنها محكمة إسرائيلية - أميركية أنشئت لضرب المقاومة. أما في شأن السؤال عن كيفية تأمين المبلغ لتمويل المحكمة من دون العودة الى مجلس الوزراء، فقالت المصادر انه يجوز صرفه وبناء لمرسوم عادي من احتياطي الموازنة أو من خلال سلفة خزينة. وأوضحت ان موافقة لبنان على تمويل المحكمة ستتيح لميقاتي تمديد فترة السماح الدولية المعطاة له من المجتمع الدولي باعتبار أنه وفى بالتزامه القرارات الدولية. وقالت ان الأخير يستطيع ان يستخدم التمويل في مقارعة خصومه في الشارع السنّي نظراً الى أن بعضهم يشكك في قدرته على انتزاع موافقة حكومته على التمويل في مقابل البعض الآخر في 14 آذار ممن يعتبر أن لا مشكلة أمامه في هذا الخصوص وأن المشكلة التي تنتظر الحكومة تتعلق بالتجديد لمذكرة التفاهم بين لبنان والمحكمة الدولية في آذار (مارس) المقبل. وفي هذا السياق أيضاً، علمت «الحياة» من مصادر في الأكثرية ان قيادات أساسية فيها طلبت من حلفائها تجنب الدخول في سجال مع المعارضة حول تمويل المحكمة وأن الأخيرة ستفقد ورقة أساسية في تصعيد حملتها على ميقاتي ما ان تكتشف ان رهانها على عدم قدرته على الالتزام بالقرارات الدولية وأبرزها المحكمة لن يكون في محله وبالتالي ستُسجل في مرماها نقطة سياسية يوظفها لمصلحته في الشارع السنّي. الى ذلك، تأكد ل «الحياة» ان مهمة هيبل لم تقتصر على موضوع تمويل المحكمة، وتبين ان لوجود رئيس مكتب الدفاع في المحكمة الدولية فرنسوا رو في لبنان وهو التقى أمس وزير الداخلية والبلديات مروان شربل ولاحقاً التقى ميقاتي بالتزامن مع اللقاءات التي عقدها الأول علاقة مباشرة بأمور تتعلق بسير عمل المحكمة والتحضير لمرحلة بدء المحاكمات. ومن الأمور التي نوقشت بين هيبل ورو، توفير الحماية للشهود وعدد من المسؤولين الرسميين والشخصيات السياسية التي كانت أدلت بإفاداتها أمام مدعي عام المحكمة الدولية دانيال بلمار، إضافة الى السؤال عما فعلته الحكومة في خصوص توقيف المتهمين الأربعة في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري ورفاقه استناداً الى ما ورد في القرار الاتهامي الذي أعدّه بلمار وصدّق على نشره قاضي الإجراءات التمهيدية دانيال فرانسين وتضمن إجراء مراجعة شهرية للسلطات اللبنانية لمعرفة ما آلت اليها الجهود الرسمية لتوقيف هؤلاء المتهمين وتسليمهم الى المحكمة الدولية. أما في خصوص أي جديد عن ربط محاولتي اغتيال النائب مروان حمادة ونائب رئيس الحكومة السابق الياس المر واغتيال الأمين العام السابق للحزب الشيوعي اللبناني جورج حاوي بجريمة اغتيال الحريري، فأكدت المصادر عينها ان فريق التحقيق في المحكمة يتوسع حالياً في تحقيقاته وأن بدء المحاكمات، أكانت غيابية في حال عدم العثور على المتهمين وتوقيفهم أم وجاهية في حضورهم، لا يوقف التحقيقات التي تستمر للتوصل الى خيوط جديدة في الجرائم الثلاث تقود المحكمة الى وضع يدها على عناصر إضافية في إطار التأكيد على أن الربط بين كل هذه الجرائم هو في محله.