تتجه فرقة «خليج عدن» المسرحية إلى خوض مغامرة جديدة تتمثل بتقديم أعمال شكسبيرية، وذلك بعد النجاح الكبير الذي حققته خلال عمرها القصير الذي لا يزيد عن ست سنوات، في شكل بدا أنه يوقظ المسرح اليمني من سبات استمر أكثر من 20 سنة. ويعدّ المخرج والكاتب المسرحي عمرو جمال «دينامو» الفرقة وعمودها الفقري، وهو يرى أن سرّ نجاح الفرقة يكمن في استقلالها ورفضها تمرير رسائل أو الارتهان لأي طرف. يقول جمال في حوار مع «الحياة»: «نرفض أي شروط يحاول المنتج فرضها. حصل هذا أكثر من مرة. نحن لا نتبع أي جهة سياسية، وسبق أن عرضت علينا مبالغ بالملايين لتمرير موضوع سياسي معيّن فرفضنا». ويؤكد قدرة الفرقة على قول «لا... فنجاحنا ينبع من رفضنا»، لافتاً إلى أنه يفضل البقاء في البيت على أن يخضع لشروط. ويرى جمال في المسرح «رسالة إنسانية»، موضحاً أن المسرح في الدول العربية في حالة احتضار، «ونحن إذ نحاول أن نبقيه في غرفة الإنعاش، قبل أن نقوم بالقتل الرحيم، فهذا إنجاز، خصوصاً في ضوء الظروف الحالية». ويضيف: «أشتغل على المسرح لأني أحبه، إنه المتعة الحقيقية، هو لا يدرّ ربحاً، فأعوض في العمل التلفزيوني». ومع أنه يعتبر التلفزيون «أردأ أنواع الفنون»، فقد اتجه إليه ليقترب من السينما: «فمنذ صغري وأنا منبهر بالسينما، وأحلم بأن أصبح مخرجاً سينمائياً». ويضيف: «أعتبر نفسي في المسرح مجرد زائر، لكني وقعت في غرامه. لا أحد يستطيع أن يشعر بسحر المسرح إلا إذا اشتغل فيه. وإذا عثرت على ضالتي، أي السينما، لن أبقى في التلفزيون لثانية واحدة». وكانت فرقة «خليج عدن» شرعت، خلال السنوات الأخيرة، في تقديم تمثيليات تلفزيونية ليتمكن أعضاؤها من كسب عيشهم والاستمرار في العمل المسرحي. ويرى جمال الذي بدأ كاتباً للقصة القصيرة قبل أن يتجه إلى المسرح، أن عمله كاتباً ومخرجاً يمثّل عبئاً كبيراً، لافتاً إلى أزمة نصّ يواجهها المسرح اليمني: «فإذا وجدت نصاً جميلاً، لا أتردد في قبوله، لذا، لا ملامة إذا مارست الكتابة والإخراج». ويلفت إلى أن الكتابة أصعب من الإخراج، «فهي تستنفد الطاقات والأفكار». وتتألف فرقة «خليج عدن» من 11 شاباً جاءوا من اختصاصات مختلفة وشقوا طريقهم بجهود ذاتية يقودهم حبهم لهذا الفن. وحازت عروضهم إعجاب الجمهور اليمني، خصوصاً مسرحية «عائلة دوت كوم» وأخيراً «كارت أحمر»، كما قوبل عرضهم لمسرحية «معك نازل»، في برلين العام الماضي، باستحسان الجمهور الذي حضر عرضهم المقتبس من نص ألماني بعنوان «الخط رقم 1». وبحسب جمال، فإن الألمان عندما شاهدوا العمل، انبهروا بالنص اليمني، مشيراً إلى أنه أعاد بناء النص مع إبقاء خطوطه العريضة، إلى درجة أن المتابع لا يشعر بأن النص مقتبس، نظراً إلى الخصوصية الشديدة في تصوير الشارع العدني. وأعرب جمال عن تفاؤله بإمكان عودة الحياة إلى المسرح اليمني. واعتبر أن «خليج عدن» هي الفرقة الوحيدة التي استطاعت أن تجذب الجمهور ليشاهد عروضها بتذاكر وليس مجاناً. ويحلو لجمال وصف مسرحية «معك نازل» ب «الانفجار العظيم». ويقول: «لا أعتقد أننا سنأتي بانفجار أعظم منه»، موضحاً أن أعضاء الفرقة تجاوزوا فورة الشباب «ونشتغل حالياً بنضج». وكشف عن عزم الفرقة على تقديم أعمال مسرحية كلاسيكية لشكسبير، كما تخطط لتقديم عروض في المحافظات وخارج اليمن. ووفق جمال، فإن فرقة «خليج عدن» هي من ابتكر موسم العروض المسرحية خلال عيدي الفطر والأضحى، وستسعى إلى كسره، متمنياً أن تعمل جميع الفرق لكسر الموسمية «لتكون لدينا عروض كل خميس وجمعة». إلا أنه قال إن المسرح لن يستمر سوى عاطفي، «ونحن مستمرون لأننا نحب المسرح، أما الجدوى المادية فغير موجودة». ويضيف: «جئنا بعد 15 سنة من توقف المسرح التجاري، ومع ذلك أعجب الناس بما قدمناه. الجمهور تقبل أعمالنا وكأنها الخيار الوحيد». وقال إن الفرقة تحاول إبقاء المسرح في حال من الاستمرارية، خصوصاً مع غياب دور الدولة والقطاع الخاص. ويلفت الى افتقار عدن إلى صالة عرض مسرحي، على رغم أنها تُعدّ أول مدينة في الجزيرة العربية عرفت العروض المسرحية. وحمل عمرو جمال بشدة على التلفزيون، متهماً العاملين في الدراما بإفساد الذوق العام. واعتبر أن شركات الإنتاج التلفزيوني لا تملك الجرأة لترفع مستوى الجمهور. فالتلفزيون، وفق ما يقول، اعتاد تقديم قضايا مكررة، مثل الفقر والفساد والوساطة، «وعندما تقدم أفكاراً جديدة مثل مشكلة معاناة البنت البدينة، والصعاب الحياتية والنفسية التي تواجهها نتيجة عدم قدرتها على التكيّف مع محيطها، ينظر إلى هذه القضايا باعتبارها همّاً سطحياً وليس تعمّقاً في الشخصية»، ورأى أن الاشتغال على أعمال تلفزيونية نوعية هو بمثابة انتحار. وللخروج من هذا المأزق، يقترح أن تعكف مجموعة من مخرجي التلفزيون على أعمال جديدة نوعية، حتى يتعوّد الجمهور عليها. وقال إن التلفزيون ينجح في رمضان لأنه يقدم أعمالاً سهلة، فيها كوميديا أقرب إلى التهريج، «نصوص مباشرة لا تساعد الجمهور في التفكير»، مؤكداً رفضه خلطةَ النجاح السهلة هذه. وأكد حرصه على التنويع في الوجوه، موضحاً أنه يهجس باكتشاف مواهب جديدة: «أجد متعة في ذلك، وأحرص على حضور عروض المسرح المدرسي. سعاد نصر مثلاً اكتشفناها في مهرجان مدرسي». ونفى هيمنته على الفرقة، مؤكداً أن القرار يتخذ في شكل جماعي، وأنه يتشاور مع زملائه حتى عند كتابة النصوص. وقال إن الفرقة تعمل بروح الفريق الواحد، وإذا هجر المسرح باتجاه السينما يوماً فإن الجميع سيكونون معه.