يجمع الفنان المخضرم حمد العثمان، إلى التمثيل، موهبة الكتابة، فهو نجم المسرح في “فرقة نادي الاتفاق المسرحية” منذ منتصف التسعينيات الهجرية. ومر وهو في عمر 15 سنة بتجربة فريدة، حيث عرض مسرحية “عودة فلسطين” أمام الملك سعود بن عبدالعزيز آل سعود في عام 1377ه. في هذا الحوار ل”الشرق” يضع العثمان جوانب عديدة من ذاكرته أمام القارئ: * صِف لنا شعورك وأنت تعرض مسرحية “عودة فلسطين” أمام الملك سعود، وكيف كانت استعدادات المدرسة لذلك الحدث البارز حينها؟ كنا فرحين جداً لقدوم الملك، فأعدت المدرسة مسرحاً كبيراً مجهزاً بالإذاعة والميكروفونات في ساحتها. وعندما احتاج مخرج المسرحية فوزي مدوخ، وهو مدرس الرسم الفلسطيني، لمؤثرات موسيقية، قام بتسجيل ما يريد في شقته، حيث رافقناه وسجلنا تلك المؤثرات من الإذاعة، ومنها أغنية “أخي جاوز الظالمون المدى”. فرح الملك سعود بالمسرحية، وبعد أسبوعين جاءتنا “شرهة” ثلاثون ريالاً فضة لكل واحد، ومازلت أحتفظ بريال واحد منها حتى الآن. * وماذا بعد مسرحية “عودة فلسطين”؟ جاءنا رياض المليجي، ابن عام الفنان محمود المليجي، فقدمنا معه مسرحية “ذكاء القاضي” من المنهاج، وعدداً من الاسكتشات التمثيلية. * كيف تولد لديك حب المسرح، ومن تذكر من أصدقاء الطفولة؟ كنا نقدم مسرح “الشارع” أمام دكة أحد دكاكين الفريج، وأذكر أننا اختلسنا من الدكان لمبة. كما صنعنا في ذلك الوقت جهاز عرض أشبه بالسينما، وكنا نأخذ صناديق “الشاهي” الخشب الفارغة، ونغلقها بالجرائد من الجهتين، بعد أن نضع لمبة بداخلها، وسيخ حديد من الأسفل والأعلى، ونلفها لتدور، ونستمتع برؤية الصور تتحرك. لكن صديقي المخرج في تليفزيون الدمام، مبارك الهميم، وكنا أبناء “فريج” واحد، وفي صف واحد في أكثر من سنة، سافر ليدرس الإخراج في أمريكا بعد التجارية، بينما اشتغلت أنا في الدولة. ومن أصدقائي في مسرح الشارع محمد البواردي، الذي كنا نأخذ الكهرباء من دكان والده، ومحمد فلاح، ومنصور خميس، وعثمان بخيت، وسلمان دعيج، وشاكر الشيخ، الذي التقيت به مع عبدالوهاب الكنداري في 1384ه في حي الدواسر، وكنا ننوي تكوين فرقة مسرحية. ولما لم نجد مكاناً لنعرض عليه ألغي موضوع الفرقة. * ما هي حكاية نادي السلام، ونادي الشباب السعودي؟ أندية رياضية كانت موجودة في الدمام، وغير رسمية، وكانت تقدم أيضاً أنشطة ثقافية، ثم فيما بعد ضُمت لنادي النهضة. * من كان معك في نادي الشباب السعودي؟ كان معي مدرب النهضة أحمد سعد، وكان مغني فرقتنا المسرحية في حفلاتنا المسرحية. وأذكر أن رجلاً في السبعين كان يشجعنا، وكنا ننوي عمل ستارة للمسرح، ولم تكن معنا فلوس فأعطانا الفلوس لكي نشتري ستارة ونرد له نقوده فيما بعد، لكننا نسيناه قبل العرض بساعات، فإذا به يطل علينا طالباً نقوده، ولما لم يكن معنا ما نعطيه، أخذ الستارة، وتركنا دون ستارة. وأذكر أيضاً موقفاً مع أبي “أخذت شراشف نوم من المنزل دون علمه، ولا أعلم من أخبره عنها، وفوجئت وأنا على المسرح أمثل بصوت يقول “أبوك يا حمد جاي”، فالتفتُ لأجد أبي قادماً، فاختفيت من المسرح الذي صعد إليه أبي، فانتزع الشراشف وغادر المسرح، والجمهور يضحك. * حدثنا عن فرقة “نادي الاتفاق المسرحية”؟ حسب علمي، أن من وراء تأسيس الفرقة هو المرحوم صالح السعيدان، وكان أحد الممثلين المحبين للمسرح والفن، والمخلصين له. في البداية، ضم إليه بعض أصدقائه من الحارة والمدرسة الأولى، مثل مشاري الوسمي، وسعيد باجابر، وصديقه محمد البوري، ومساعد مرزوق، وأخيه أحمد السعيدان، ثم ضموا إليهم إبراهيم السويلم، ولوجود قرابة بيني وبين السويلم، طلب مني أن أنضم للفرقة، وفعلاً انضممت بعد أن اشترطت عليهم أن نقدم مسرحيات، وليس مشاهد تمثيلية. وأول مسرحية كانت مسرحية “ثمانين في ثمانين”، تلتها “عودة النهام”. وبدأت الفرقة تكبر، وينضم لها كثيرون، ومنهم جمعة الحمادي، وخالد عيسى، وأحمد النصار، وفيصل الدوسري، وفهد التمران، ومحمد الزبيري ومساعد مرزوق، والفنان التشكيلي علي الدوسري يرحمه الله، وبسام السيد، ومحفوظ المنسف، ومبارك الراجح، وعلي الهليل، وفهد إدريس، ومحمد الهندي، ومحمد زكي، وناصر مبروك، وسلمان الزبيل، وخالد العبودي، وأحمد بودي، وإبراهيم جبر، وكانت الفرقة تقدم المسرح الاجتماعي، بوجود المرأة، في دور الأم، أو الأخت، أو الزوجة. * هل كانت المرأة تظهر على المسرح؟ نعم، كانت تظهر، لكن يقوم بتجسيد أدوارها شباب يجيدون تقليد وتجسيد أدوار المرأة، إما لطبيعة خاصة، أو لحرفية في التقليد، وقد برع منهم كثيرون، أبرزهم ناصر مبروك. وكان الإقبال على مسرحيات الفرقة منقطع النظير، حتى أنك لا تجد لك مكاناً لتجلس في ساحة النادي. وفي عروض مهرجان الشباب في الرياض، وبسبب ضيق القاعة، كان المسؤولون يضطرون لوضع شاشات عرض خارج القاعة. * هل شاركتم في مهرجانات، أو حققتم جوائز؟ نعم، شاركنا في مهرجان المسرح للشباب منذ بدايته، وفازت مسرحية “عودة النهام” بكأس التمثيل المسرحي في مهرجان الفنون المسرحية الأول للشباب عام 1395/ 1396ه لصالح المكتب الرئيس لرعاية الشباب في الشرقية. * كيف نشطت الفرقة المسرحية في الأندية الرياضية؟ في منتصف التسعينيات الهجرية، بدأت الرئاسة العامة لرعاية الشباب بالاهتمام بالمسرح في أندية المملكة كافة، وأخذت تخاطب الأندية للاهتمام بهم، وأخذت المكاتب في المناطق تُجري مسابقات بين الأندية في كل موسم، والفرق الفائزة تحضر للرياض وتشارك في مهرجان أطلق عليه “مهرجان الشباب للمسرح الأول” في عام 1395/ 1396ه. وقبل انطلاق المهرجان بشهور، حضر من الرياض عبدالرحمن الربيعان، وهو أحد مسؤولي الرئاسة، ووصل فجأة إلى النادي، وسأل: ماذا لديكم لتقدموه لمهرجان المسرح الأول، فقلت: مسرحية. فقال: ما هي؟ فقلت “عودة النهام”، والشباب ينظرون إليَّ مستغربين، وهم يعرفون أنه لا وجود لهذه المسرحية أصلاً، فقال متى يمكننا الحضور مع اللجنة لمشاهدة المسرحية؟ فقلت نحتاج شهراً، أو 25 يوماً للبروفات، فسجل ذلك في محضره، ثم غادر النادي. واشتبك أعضاء الفرقة الحاضرون الاجتماع معي في عراك، كيف تقول للمندوب عن مسرحية غير موجو دة؟ فقلت لهم هذه فرصة، ولو أضعناها لن تتكرر، دعوني أتصرف، أخذت معي أحد الإخوان، وكنت أملي عليه وهو يكتب، وأنهيت المسرحية في يومين، ثم عملنا بروفات، وفي الرياض حققنا كأس المركز الأول، وبطل المسرحية الفنان إبراهيم السويلم حقق لقب الممثل الأول، وجائزتها ثلاثة آلاف ريال، ثم توالت المسرحيات بعد ذلك “الكحل في عين الرمدة خسارة”، و”إذا فات الفوت”، و”غداً يصل المدير”، وغيرها. * وهل اتبعتم دورات مسرحية خارج المملكة؟ نعم، في عام 1398ه، وبلفتة كريمة من الأمير فيصل بن فهد، تم إرسال مجموعة من المسرحيين إلى مهرجان قرطاج المسرحي في تونس، ثم بعد مهرجان قرطاج، سافرنا إلى مصر، وكنا نذهب لمسارح الفرق الخاصة في الكواليس قبل العرض بعشر دقائق، نصافح الممثلين، ثم ندخل إلى الصالة لنحضر العروض المسرحية للاستفادة. وكان معي إبراهيم السويلم، والكاتب المرحوم عبدالرحمن المريخي من الأحساء، والمرحوم أحمد أبوربعية من نادي أحد في المدينةالمنورة. وقبلنا، تم إرسال الدكتورعبدالله العبدالمحسن، وجاسم سهوان، من تاروت، إلى المغرب في عام 1397ه. وفي عام 1402ه، مثلت فرقة نادي الاتفاق مسرحية المملكة في أول أسبوع للإخاء السعودي البحريني في المنامة بتاريخ 19/ 4/ 1402ه بمسرحية “إذا فات الفوت ما ينفع الصوت”، وتم تصويرها من قبل تليفزيون البحرين. * ماذا عن محطة تليفزيون الدمام، وصديق عمرك المرحوم مبارك الهميم؟ بعد عودته من البعثة، رحمه الله، عُين في تليفزيون الدمام مخرجاً تليفزيونياً، وكان هناك مسلسل محلي اسمه “النخل الحزين” انسحب مخرجه، فأُسندت المهمة إليه. بعدها، طلبنا للمشاركة في بعض المشاهد التليفزيونية الأخرى من إخراجه، وفي عام 1404ه، وكنت قد تسلمت رئاسة قسم المسرح في الجمعية، نفذ تليفزيون الدمام مسلسل “النافذة الصغيرة”، من إخراج مبارك الهميم، وتأليف سمير الناصر في جزئه الأول، ومجموعة من كتاب المنطقة في الأجزاء الأخرى، وكان له بذلك دور في إبراز أسماء كثيرة من فناني المنطقة عبر تليفزيون الدمام، مثل عبدالمحسن النمر، وسمير الناصر، وعلي السبع، وإبراهيم السويلم، وناصر المبارك، وحسين الهويدي، ومحفوظ المنسف، والزبيل العبودي، وإبراهيم جبر، وآخرين. * ماذا عن ذكرياتك في جمعية الثقافة والفنون فرع الدمام؟ مثلت في مسرحية “ليلة عيد”، من إخراج مصطفى عبدالخالق، وتأليف عبدالله الباروت، يرحمه الله، ثم تسلمت رئاسة قسم المسرح في عام 1404ه، وعملت جاهداً للنهوض بقسم المسرح، واحتواء الشباب في الأعمال المسرحية، فخرجت بالمسرح من نطاق المحلية إلى المهرجانات العربية والخليجية. وفرع الدمام أول الفروع يمثل المملكة، بعد الرياض، في عام 1390ه، حيث مثلنا المملكة في مهرجان القاهرة التجريبي بمسرحية “اللاعبون” عن نص “هاملت لشكسبير”، من إخراج جمال قاسم. وفي 1392ه، شاركنا أيضاً في المهرجان نفسه بمسرحية “تراجيع” للكاتب محمد العثيم، وإخراج جمال قاسم، وشاركنا في “تراجيع” في مهرجان الفرق الأهلية في أبوظبي في العام نفسه. كما قمت بإدارة أقسام أخرى في الجمعية حتى عام 1429ه، حيث تم الاستغناء عن خدماتي من إدارة الجمعية بعد 22 سنة قضيتها في خدمة المسرح السعودي في فرع الدمام، حتى تخرجت أجيال على يدي، كما شاركت في مهرجانات عربية عديدة، وفزت في عام 1415ه عن مسرحية “الملقن” بالمركز الأول في السينوغرافيا والإضاءة. * تكرم وزارة الثقافة والإعلام موظفيها المتقاعدين دورياً. أين حمد العثمان وزملاؤه من التكريم في المحافل السابقة، خاصة بعد هذا المشوار الطويل؟ التكريم الذي أثلج صدري جاء على يدي نائب أمير المنطقة الشرقية، الأمير جلوي بن مساعد، في حفل تكريم الإعلاميين الذي أقامه مجمع تليفزيون الدمام ربيع هذا العام، وكان شرفاً لي، فهو تكريم روحي من هذا الرجل الكريم الذي مد يده وهنأني، وأحمد الله أنه أتى وأنا حي أرزق”. أما التكريم خارج المملكة، فإنني أعذر من في يده ترشيح الأسماء، فربما لا يعرف ماضينا، فكيف يكرمك من لا يعرف ماضيك. العثمان يتسلم جائزته من يد الأمير جلوي بن مساعد في حفل تكريم الإعلاميين في مجمع تليفزيون الدمام (تصوير: غازي الرويشد)