بوخارست - أ ف ب - نيكوسور دان هو عالم رياضيات تدرّج في باريس، ويناضل بشجاعة لا مثيل لها من أجل إنقاذ تراث بوخارست ومتنزهاتها وأحيائها التقليدية المعرضة لخطر الترويج العقاري والفساد وانتهاك القوانين. ولقبت العاصمة الرومانية بوخارست ب «باريس البلقان الصغيرة»، مطلع القرن العشرين، بفضل هندستها وحياتها الثقافية، لكنها تمرّ اليوم بمرحلة صعبة للغاية. ففي الثمانينات، طلب الديكتاتور الشيوعي نيكولاي تشاوشيسكو هدم أكثر من ربع الأحياء التاريخية لتشييد قصر هائل. واستمرت أعمال التدمير على رغم العودة إلى الديموقراطية في نهاية العام 1989. فوقعت عشرات المنازل الفخمة والحديثة ضحية المضاربات العقارية، وحلّت محلها مبان تجارية. وانتشرت أبراج، مقابل معالم محمية، مثل كاتدرائية بوخارست الكاثوليكية، على رغم اعتراضات الفاتيكان وأحكام قضائية تمنع هذا العمل. وتخطط البلدية لإنشاء عدد من الطرق السريعة، على رغم دعوة أوروبا إلى خفض عدد السيارات داخل المدن. وفي ظل هذه «الجريمة الثقافية»، يرفض دان (41 سنة) أن يحصر تركيزه في شغفه بالرياضيات. ويحافظ هذا الباحث في الرياضيات على روح المراهقة الحالمة، لكنه في الوقت ذاته دقيق إلى حد كبير في الدعاوى التي يقيمها على السلطات المخالفة للقانون، وعلى المروجين العقاريين المستعدين للتضحية بالمساحات الخضراء والمعالم التاريخية. في هذا الإطار، يقول مؤسس جمعية «أنقذوا بوخارست» إن «العرائض والتظاهرات مفيدة، لكنها لا تضع حداً لعمليات التدمير». أما مستشارة الأممالمتحدة في رومانيا ساندرا برالونغ فتقول: «في هذه المعركة الشرسة، لطالما انتصر دان بمفرده ولم يساعده سوى بضعة محامين وأناس مخلصين جداً». وبفضل الدعاوى الرابحة، تمكّن دان من إنقاذ متنزهات ومنازل فخمة، إضافة إلى سوق «ماتاشيه» التقليدية التي كانت مهددة بطريق محوري. ويقول المؤرخ أندريه بيبيدي الذي كتب مقالات صحافية شهيرة عن المدينة، إن «نيكوسور مثال للشجاعة والنزاهة، ووجد الطريقة الأنجع للطعن بقرارات السلطات المثيرة للجدل، وهذا أمر غير عادي في بلد أضعف النظام الشيوعي إرادته لنقض القرارات الآتية من الأعلى». أما رئيس بلدية بوخارست سورين اوبريسكو الذي أوقفت المحاكم الكثير من مشاريعه الإعمارية، فيدين منظمات غير حكومية «تريد إعاقة نمو المدينة». ويعترف جورج باتراسكو، كبير المهندسين في المدينة والذي تنتقده المنظمات غير الحكومية على أعمال التدمير، بأن «بعض الأخطاء ارتُكبت»، وهو يشكك في كفاءة نيكوسور لكنه يوافق على أنه «مثال للشجاعة»... لم تكن هذه المعركة مقدرة لدان نيكوسور، وهو ابن عامل وخبيرة محاسبة. لكنه، خلال دراسته الجامعية، أحب العاصمة بوخارست التي تتميز بثقافات متعددة وبأشجار الليمون و «ينبع منها سحر ما». وبعدما نال شهادة من جامعة السوربون الفرنسية، عاد إلى دياره آملاً في التغيير، وخاب ظنه مرات عدة لكنه لم يستسلم. وإذا لم تتم إدانة رئيس البلدية، ينوي دان التخلي عن جنسيته الرومانية والعيش في فرنسا التي ألهمته في معركته المدنية. ويقول إن «الفرنسيين مستعدون للتشكيك في القرارت التي يجدونها مثيرة للجدل وهم يحترمون القانون أكثر من سكان رومانيا». ويعتبر أنه من المشجع اعتماد قوانين أكثر صرامة في شأن التراث والتوسع المدني، «ومن الرائع التحرك من أجل مدينة خضراء تحافظ على تراثها».