تطلق عودة زعيم الغالبية في البرلمان اللبناني، رئيس تيار «المستقبل» سعد الحريري في الساعات المقبلة الى بيروت من الرياض في المملكة العربية السعودية جولة واسعة من المشاورات السياسية بين القيادات الرئيسة في قوى 14 آذار وفي اتجاه اركان الأقلية النيابية وعلى رأسهم رئيس المجلس النيابي المنتهية ولايته نبيه بري والأمين العام ل «حزب الله» السيد حسن نصر الله من شأنها ان تتجاوز إعادة انتخاب بري رئيساً للبرلمان لولاية خامسة على التوالي الى استكشاف ملف الاستحقاق الحكومي تكليفاً وتشكيلاً باعتباره المدخل الى التفاهم على العناوين السياسية بعد اجتياز محطة الانتخابات النيابية في 7 حزيران (يونيو). ومع ان عودة بري الى رئاسة المجلس النيابي باتت مضمونة في جلسة الانتخاب المقررة الخميس المقبل باعتباره الأبرز شيعياً في البرلمان، فإن المداولات التي ستجرى داخل قوى 14 آذار من شأنها ان تحسم بعض المواقف المترددة من انتخابه والتي تلوّح بالاقتراع بورقة بيضاء إلا في حال نجاح النائب الحريري ومعه رئيس «اللقاء النيابي الديموقراطي» وليد جنبلاط في إقناع القيادات المسيحية المنتمية الى الأكثرية بإعادة النظر في موقفها من بري، وبالتالي سحب تحفظها عن انتخابه، ما سيدفع في اتجاه تقليص عدد الأوراق البيض. ويفترض ان يسبق جلسة انتخاب رئيس المجلس، لقاء يعقد بين بري والحريري واحتمال لقاء بين الأخير ونصر الله الذي أوشك على الانتهاء من مشاوراته مع عدد من حلفائه لبلورة تصور موحد من تشكيل الحكومة العتيدة على ان يتوج بلقاء على مستوى قيادات الصف الأول في الأقلية لوضعه في صيغته النهائية، علماً ان بري ومعه حزب الطاشناق لا يمانعان تسمية الحريري رئيساً للحكومة خلافاً لموقف حليفهما رئيس تيار «المردة» النائب سليمان فرنجية، فيما يحتفظ نصر الله لنفسه بتحديد الموقف النهائي للحزب، بينما يصر رئيس «تكتل التغيير والإصلاح» العماد ميشال عون الذي يرأس ثاني أكبر كتلة نيابية بعد الحريري على تطبيق مبدأ التمثيل النسبي في الحكومة. وفي هذا السياق، قالت مصادر سياسية مواكبة للتحضيرات الجارية لإطلاق جولة واسعة من المشاورات في شأن الحكومة الجديدة ان قوى 14 آذار ستجمع على تسمية الحريري رئيساً للحكومة في الاستشارات النيابية الملزمة التي سيجريها رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان فور انتهاء البرلمان من انتخاب رئيسه، لكنها تتريث في تحديد موقفها النهائي الى ما بعد استكشاف موقف الأقلية من تسميته على ان يعود له حسم موقفه النهائي. وأكدت المصادر نفسها ل «الحياة» ان الحريري لا يتخلف عن خدمة بلده في أي موقع كان سواء في رئاسة الحكومة أم كزعيم للغالبية في البرلمان، لكن توليه الرئاسة الثالثة لن يكون «كيفما كان» وهو لديه تصور أولي يسعى الى بلورته مع حلفائه في «14 آذار» أولاً لينصرف بعدها في مشاوراته مع زعماء الأقلية الى جس نبضهم لمعرفة مدى استعدادهم للتعاون على قاعدة ان لبنان يدخل بعد الانتخابات النيابية في مرحلة سياسية جديدة على قاعدة إقرار الجميع بضرورة طي صفحة الماضي وفتح صفحة جديدة تساعد على النهوض بالبلد اقتصادياً واجتماعياً ومعيشياً وتعمل لتوظيف الصيف الواعد الذي ينتظر لبنان هذا العام لتحقيق المزيد من التنمية على الصعد كافة. وإذ أكدت المصادر عينها انفتاح الحريري على الحوار مع جميع الأطراف واستعداده للتعاطي معهم بمرونة في شأن مقترحاتهم لإنقاذ البلد وعدم تكرار التجارب السابقة التي أدت الى شل العمل الحكومي، قالت ان الحريري هو الأقوى، ليس سنّياً فحسب، وإنما شعبياً في ضوء النتائج التي حملتها الانتخابات النيابية والتي يُفترض الحفاظ على مفاعيلها لجهة تعاون الجميع للخروج بلبنان من حال الركود التي اصابته على قاعدة تحقيق الشراكة المتوازنة في السلطة الإجرائية انطلاقاً من عدم وجود نية لدى الغالبية في إلغاء الأقلية او التفرد في اتخاذ القرارات المصيرية. ولفتت الى ان ذلك يستدعي أولاً إقرار الأقلية للغالبية بالحد الأدنى من دورها في إدارة شؤون البلد عبر حكومة متجانسة ومنتجة تتجاوز الشوائب التي حالت دون تمكين حكومة الرئيس فؤاد السنيورة من تحقيق معظم ما تعهدت به في بيانها الوزاري. وقالت المصادر ان الحريري لن يتردد في ان يكون رئيساً للحكومة العتيدة اذا كان ذلك سينعكس ايجاباً على البلد وعلى إيجاد الحلول للمشكلات التي يشكو منها السواد الأعظم من اللبنانيين. ورأت ان كل هذا يدفعه الى التريث في اتخاذ قراره النهائي الى ما بعد استكشاف موقف الأقلية ومدى استعدادها للتعاون. وهذا الأمر لا يمكن مقاربته إلا بعد الجلوس مع قادة الأقلية على رغم ان موقف بري واضح من تسميته رئيساً للحكومة. وتابعت: «ان المواقف الأولية لمعظم الأطراف تدعو الى التفاؤل، لكن هذا لا يكفي ما لم تترجم الى خطوات ملموسة»، مشيرة الى وجود إجماع لدى قادة «14 آذار» على عدم إعطاء «الثلث» الضامن للأقلية على ان يستعاض عنه بتطمينات مباشرة من الحريري ورئيس الجمهورية ميشال سليمان الذي سيكون الصوت الوازن في مجلس الوزراء، وهذا ما يريح الأقلية الى ان الأكثرية لن تتفرد في اتخاذ القرارات المصيرية التي لا تقر إلا بتأييد ثلثي أعضاء الحكومة. واعتبرت المصادر نقلاً عن أركان في الغالبية ان الصيغة الفضلى لقيام حكومة منتجة تكمن في ان تتمثل الأكثرية بالنصف زائداً واحداً من أعضاء الحكومة الثلاثينية في مقابل تمثيل الأقلية ب10 وزراء ورئيس الجمهورية ب 4 وزراء يتشكل منهم «الصوت الوازن» لطمأنة الأقلية وتبديد هواجسها، بأن هناك شبكة أمان سياسية يمثلها هذا الصوت الوازن في القرارات التي تتخذ في شأن ما يسمى بالقضايا المصيرية، خصوصاً ان سلاح المقاومة لن يتحول في داخل الحكومة الى مادة للاشتباك السياسي طالما ان الغالبية على موقفها بتركه للحوار وسحبه من التداول الإعلامي. ولفتت المصادر الى ان الشراكة في الحكومة لا تتحقق إلا باستعداد الأطراف المعنيين لتقديم تنازلات متبادلة لمصلحة حكومة الوحدة الوطنية التي يفترض ان تمنع إقامة المتاريس السياسية في مجلس الوزراء. لذلك، وإلى أن تحسم الأقلية موقفها في اجتماع مركزي تعقده على مستوى قيادات الصف الأول بعد ان يستكمل بري ونصر الله مشاوراتهما مع الحريري، كان أمس موقف للبطريرك الماروني نصر الله بطرس صفير من ترشيح الحريري لرئاسة الحكومة، قال فيه انه «رجل معروف عنه بالاعتدال وهو ابن رجل كان يملأ مركزه ويقوم بخدمة الوطن خير خدمة»، مشيراً الى تحفظه عن الثلث «المعطل» في الحكومة الجديدة، قائلاً: «لا أفهم بذلك الثلث المعطل ونحن تعودنا ان يكون هناك فريق يحكم وفريق يعارض».