بغداد - «الحياة»، أ ب، أ ف ب، رويترز - ارتفعت حصيلة التفجير الانتحاري بشاحنة مفخخة في بلد تازة الشيعية في محافظة كركوك الى 72 شهيداً و202 جرحى، ما جعله الاعتداء الأكثر دموية في العراق منذ 18 شهراً. وأوضح العميد سرحد قادر مدير شرطة الاقضية والنواحي في محافظة كركوك، أن «حصيلة التفجير الذي شهدته تازة امس السبت بلغ حتى الآن 72 شهيداً و202 جرحى». وأكد أن «عدداً كبيراً من الجرحى لا يزالون يتلقون العلاج في مستشفيات المدينة». وأعلن مصدر في الطبابة العدلية في كركوك تسلم 72 شهيداً بينهم ثلاثة أشلاء. وأضاف: «سلمنا معظم الجثث إلى ذويها، ولا تزال أعمال البحث تحت الأنقاض جارية». وتوقعت المصادر ارتفاع عدد الضحايا. جاء ذلك في حين قُتل تسعة من عناصر الشرطة ومدني في هجمات منفصلة نفذها مسلحون في بغداد والموصل خلال الساعات الاربع والعشرين الماضية، وفقاً لمصادر أمنية عراقية. وأوضح مصدر في الشرطة إن «مسلحين قتلوا ليل أمس السبت أربعة من عناصر الشرطة بأسلحة كاتمة للصوت». وقال إن «المسلحين نفذوا أكثر من هجمة بأسلحة كاتمة للصوت مستهدفين دوريات للشرطة كانت تنتشر في الشارع الرئيسي في حي الجامعة (غرب بغداد) ولاذوا بعدها بالفرار مستغلين الجدران الاسمنتية في الشارع». وتابع أن «اشتباكات وقعت صباح اليوم (أمس) بين مسلحين ودوريات للشرطة في الشارع ذاته، ما أسفر عن مقتل شرطيين اثنين». ويشهد حي الجامعة في بغداد حيث تعيش غالبية سنية، أعمال عنف من حين إلى آخر على رغم مواصلة انتشار قوات الأمن العراقية للعمل على وقف أعمال العنف في عموم مناطق بغداد. وفي هجوم آخر، قُتل رجلا شرطة وأُصيب ثالث عندما هاجم مسلحون دورية للشرطة في منطقة الغزالية (غرب)، وفقاً لمصدر أمني. وأوضح أن «المسلحين أطلقوا النار على دورية للشرطة كانت تقوم بأعمال أمنية في الطريق الرئيسي ولاذوا بالفرار، تاركين قتيلين وجريحاً من عناصر الدورية». وفي الموصل، قُتل أحد عناصر الشرطة في هجوم بسلاح كاتم للصوت في حي الفصيلية (وسط)، وفقاً لمصدر أمني. الى ذلك، قُتل مدني وأُصيب ثلاثة أشخاص بينهم شرطي في انفجار عبوة استهدفت دورية للشرطة اليوم في شارع الجمهورية وسط الموصل، وفقاً للمصدر ذاته. وفي تازة، تجمع عشرات الرجال في موقع التفجير الانتحاري لمساعدة فرق الانقاذ التي تواصل عمليات البحث عن ضحايا محتملين تحت الأنقاض. والهجوم الذي وقع في بلدة تازة (30 كيلومتراً جنوب كركوك) السبت يعد أحد أكثر الاعتداءات دموية في العراق منذ 18 شهراً، ويأتي قبل أيام من انسحاب القوات الأميركية من المدن والبلدات في 30 حزيران (يونيو) الجاري بحسب اتفاق بين بغداد وواشنطن. وانتشرت قوات أميركية وعراقية منذ ليل أول من السبت في البلدة المنكوبة، وسط ركام عدد من المنازل التي سوّاها الانفجار بالارض وآثار الدمار ورائحة الدماء والدخان التي انتشرت في المكان. وأفاد مراسل «فرانس برس» أن البلدة بدت خالية وأُغلقت المحال التجارية، ولا يشاهد فيها سوى عدد محدود من الرجال الذين يواصلون البحث عن ضحايا بين الانقاض. فيما توجه آخرون لدفن موتاهم في المقبرة القريبة من الناحية. وقال علي قنبر غيدان (41 عاماً) أحد المتطوعين للمساعدة في دفن الضحايا «إنها مصيبة حلّت علينا (...) خسرنا العشرات طيلة حكم نظام صدام لأننا انتمينا إلى حزب الدعوة مطلع الثمانينات، واليوم خسرنا المئات عندما تولى الحزب قيادة البلاد». وأضاف: «استهدفونا لأننا تركمان ومن طائفة معينة (....) المجرمون وأعداء العراق يريدون ايقاعنا في فكرهم وخرابهم وجرائمهم». وتابع: «لكننا سنبقى ثابتين في أرضنا ولن نتزحزح عن بلدنا أو نتراجع عن مذهبنا وسنبني العراق مهما كلف الأمر». وطالب غيدان بأسى «الحكومة العراقية باعلان بلدته بلدة منكوبة». وانتقد تأخر المساعدات الحكومية، قائلاً: «حتى الآن لم تصلنا الحكومة، نريدها أن تأتي وتعيننا على مصابنا لأننا اليوم مشردون بلا مأوى وبلا طعام وبلا ماء أو كهرباء (...) والقوات الأميركية هي التي تقدم لنا الآن المياه». وناشد المسؤولين «العمل على اعادة بناء الدور واسكان من شرده التفجير الاجرامي». بدوره، قال الملازم سعد محمود من فرق الدفاع المدني إن «80 منزلاً مهدمة بالكامل والاضرار لحقت بعشرات الدور في عموم الناحية الى جانب المحال والمقاهي والأبنية الحكومية». وأضاف: «اننا مستمرون في أعمال رفع الأنقاض والبحث» عن ضحايا محتملين. وقال مجيد شاكر علي (58 عاماً) أحد وجهاء البلدة إن «مدينتنا نكبت بهذا التفجير الذي دمر أهلها وأحياءها (...) انه الارهاب الذي يستهدف الأبرياء في منازلهم وهم عزّل لا ذنب لهم سوى أنهم يؤدون فروضهم وطقوسهم ويتمسكون بأرضهم». وتابع أن «التفجير أحدث صدمة في نفوسنا فكيف لك أن ترى طفلاً عمره سنتين أو أقل يخرج ميتاً من تحت الانقاض أو ترى شيخاً كهلاً أو عجوزاً وهي ممزقة تحت بيتها وبيدها مصحف شريف أو عائلة كاملة تنتشل من تحت الأنقاض فيما كانت جالسة لتناول الغذاء، لعن الله قتلى ابنائنا وأهلنا وشعبنا». وأكد أن اربع عائلات بأطفالها أُبيدت بالكامل تحت أنقاض منازلها في التفجير. وتفقد عبدالرحمن مصطفى محافظ كركوك الجرحى في مستشفيات كركوك وآزادي العامين، ودان العملية ووصفها بأنها «جبانة». ودان مصطفى «في شدة هذا العمل الجبان الذي استهدف أهالي تازة الأعزاء في هذه الناحية التي عانت الكثير ابان النظام السابق وما زالت هدفاً للارهابيين المجرمين». وأضاف أن «الجميع شاهد ويعلم أن غالبية الضحايا من الأطفال والشيوخ والنساء الذين ليس لهم أي ذنب سوى أنهم عزل وهدف سهل للارهاب». وتابع المحافظ أن «هذه العمليات التي يقوم بها الارهاب يريد من خلالها زرع الفتنة الطائفية والتفرقة بين مكونات الشعب، وأننا أمرنا بتشكيل فريق تحقيق عن الموضوع لمعرفة الجناة ومنفذي هذه الجريمة البشعة والجبانة والكشف عنهم لينالوا جزاءهم». وأكد أن «الارهاب لم ينته تماماً ولكنه ضعف في شكل كبير، واستهدافه الضعفاء والمدنيين أكبر دليل على ذلك لأنه الآن لا يستطيع أن يواجه أجهزة الأمن وعلينا أن نأخذ الحيطة والحذر من أجل القضاء على الفلول الباقية من المجرمين». واعتبر مجلس محافظة كركوك في بيان اصدره أن التفجير «محاولة يائسة لضرب الأخوة والتعايش الموجود بين مكوناتها التي أفشلت وستفشل الرهانات والمحاولات الجبانة كافة لإثارة المشاكل والفتن داخل محافظة كركوك». واستعان أهالي المدينة بآليات لحفر قبور للضحايا في شكل متسلسل. ويبلغ عدد سكان محافظة كركوك الغنية بالنفط حوالي مليون نسمة هم خليط من التركمان والاكراد والعرب مع أقلية كلدانية آشورية.