تصور هذا المشهد الذي حدث في إحدى القنوات الفضائية: السائل خ/ر من اليمن - ويبدو أنه من قرى جبال اليمن- يتصل قائلاً: أنا رجل متزوج منذ عشرين سنة، وعندي ستة أطفال، وقبل فترة جاءت إلينا امرأة عجوز قائلة: إن زوجتي هي أختي من الرضاعة.. ماذا أفعل في هذه الحالة؟! رد الشيخ - الذي لا يظهر عليه التبحر في العلم- قائلاً: هل الرضاعة في الحولين الأولين ُمشبعة؟! فرد السائل اليمني - ويظهر أنه من البسطاء وحظه قليل من التعليم كقلة حظي من الحقد- قائلاً: أيش تقول؟! تدخل المذيع في هذه اللحظة.. وقال: الشيخ يسأل هل تمت الرضاعة في السنة الأولى أو الثانية؟! وبالطبع لا يخفى على القارئ الذكي أن موضوع الرضاعة حدث قبل أكثر من أربعين سنة، إضافة إلى أن المسؤول كان- وقتذاك- رضيعاً في المهد صبياً، فما كان منه إلا أن قال: لا أعلم كيف تمت الرضاعة! عندها حسم الشيخ «الجهبذ» الأمر بإجابة صاعقة قاطعة، قائلاً: طلقْها! هكذا بكل بساطة وخفة يُهدم بيتُ أسرة آمنة مستقرة! من المؤكد أن السائل «سيفعلها»، الأمر الذي يجعل أولاده يعيشون الحسرة والضياع والشتات! أما الشيخ فقد آوى إلى قرار مكين، وذهب إلى أسرته، متنعماً بعلمه وفضل الله جلّ وعزّ عليه، ومتناولاً طعامه بين أولاده، مستلقياً بعد الغذاء، لكي يتمتع بقيلولة هادئة! بكل أسف هذا المشهد من مشاهد «الفتاوى العابرة للقارات» حيث سائل بسيط يسأل، وطالب فُتيا مسكين يستفتي، خائف من الإثم يستفهم. كل هؤلاء يقعون- أحياناً- في شيخ مفت لا يرقب في سائليه إلّاً ولا ذمة، ولا تأخذه بهم رحمة أو شفقة أو عطف! متى يدرك المتصدون للفتوى بأنهم يوقعون-كما يقال- عن الله جل وعز في فتواهم، لذا عندما ألّف الأمام ابن القيم كتابه الذي تحدث فيه عن الفتوى وطريقها وأدلتها وشروطها وواجباتها، اختار له اسم «أعلام الموقعين» قاصداً تنبيه الموقعين عن الله، وهم المفتون في كل زمان ومكان! متى يعلم هؤلاء المفتون أن الإمام مالك سُئل عن أربعين مسألة، فلم يجب إلا على ثمانٍ منها فقط، ومن ثم قال أهل العلم: (من قال لا أعلم فقد أفتى)، وقالوا أيضاً: (قول «لا أعلم» نصفُ العلم)! أستحلفكم بالله هل سمعتم مفتياً من مفتي الفضائيات والإذاعات قال لا أعلم؟!